Skip to main content

محاضرات في قانون العقوبات (القسم الخاص)


محاضرات في قانون العقوبات (القسم الخاص) **



د. محمد عدنان علي الزبر*

المقدمــة

أولا: تعريف قانون العقوبات: يُعرف قانون العقوبات بأنه: "مجموعة القواعد القانونية التي تحدد الأفعال و الامتناعات التي تعد جرائم، وتبين العقوبات المقررة لها". (د. واثبة داوود السعدي: قانون العقوبات/ القسم الخاص، ص5).
ويضم هذا القانون نوعين من القواعد:
1-              قواعد عامة تسري على كل الجرائم أو أغلبها وعلى كل المجرمين أو أغلبهم وتسمى هذه القواعد بقانون العقوبات/ القسم العام.
2-              قواعد خاصة بكل جريمة على حدة تبين أركانها، وتحدد عقوبتها، وتسمى هذه القواعد بقانون العقوبات/ القسم الخاص، "وهو محل دراستنا".

ثانيا: نشوء وتطور القسم الخاص من قانون العقوبات : لم تعرف التشريعات القديمة القسم العام من قانون العقوبات بل عرفت القسم الخاص فقط، وبذلك فإن القسم الخاص أقدم وجودا من القسم العام، وقد مرَّ قانون العقوبات/ القسم الخاص، بمراحل: بدء بمرحلة الانتقام الفردي وذلك في ظل المجتمعات البدائية، وانتقل لمرحلة القصاص والدية بفضل ظهور التنظيم الاجتماعي المتمثل بمجتمع العشيرة حتى انحصر العقاب بيد الدولة بظهور المجتمع المتمدن وسيادة القانون وظهور المدارس الفقهية التي لعبت دور فعال في تطوير القانون المذكور، وبفضل المبادئ التي استخلصها الفقه والقضاء من تطبيق قانون العقوبات القسم الخاص ظهر القسم العام منه.

ثالثا: أهمية القسم الخاص: للقسم الخاص من قانون العقوبات أهمية من نواحي عدة لعل أهمها:
1-              لنصوص القسم الخاص أهمية شاملة فهي تتدخل في أغلب مجالات الحياة في المجتمع لتنظيمها لحاجة هذه المجالات جميعا الى التنظيم الاجتماعي وخطورة الاخلال بما يقرره ذلك التنظيم من قواعد، وتضع جزاء الخروج على ما تقرره من تنظيم، علما إن تدخلها يمتد الى أخص مظاهر الحياة الشخصية كالعلاقة بين الزوجين حيث تفرض على كل منهما الاخلاص الزوجي وتعاقب الاخلال به في صورة الزنا كما في المادة 377 عقوبات.
2-              لأحكام القسم الخاص أهمية عملية واضحة، فهذه الاحكام يطبقها القضاء الجزائي مباشرة، في حين تقف خلفها قواعد القسم العام لتضفي عليها التأصيل المنطقي.
3-              ترتبط بالأهمية العملية المذكورة انفا اهمية علمية ملموسة، نظرا لما جاءت به احكام قواعد القسم الخاص من نظريات لا تقل اهمية عن نظريات القسم العام، كنظرية العلانية في جريمة القذف والسب، ونظرية الحيازة في جريمة السرقة، ونظرية الضرر في جريمة التزوير، ونظرية التدليس في جريمة الاحتيال.
4-              لنصوص القسم الخاص دلالة حضارية ملموسة، فهي صدى لحضارة المجتمع الذي تحكمه، وتعبير عن نظمه السياسية والاقتصادية وقيمه الاخلاقية والدينية والاجتماعية.
5-              لقواعد القسم الخاص أهمية ملموسة في الدراسات الاجرامية، فالباحث في علم الاجرام حين يصوغ نظرياته التي تحدد أسباب ارتكاب الجريمة يستمد فكرته عن الجريمة من نصوص القسم الخاص المطبقة في المجتمعات المتحضرة.

رابعا: دور التكييف القانوني في تمييز الجرائم عن بعضها الاخر: يُقصد بالتكييف القانوني: هو رد الواقعة القانونية الى النص القانوني الواجب التطبيق. (رؤوف عبيد: "مبادئ القسم العام من التشريع العقابي"، دار الفكر العربي، القاهرة، 1979، ص232).
من خلال التعريف يمكن القول ان التكييف القانوني الجنائي يتحقق من خلال تحديد القاعدة القانونية الجنائية التي تتضمن النموذج القانوني للواقعة الاجرامية المرتكبة، أي ان تكييف الجرائم هو اعطاء التثمين القانوني الجنائي للواقعة الاجرامية، وتحديد تطابقها مع قاعدة قانونية جنائية ينص عليها قانون العقوبات النافذ، ويتحقق التطابق من خلال دراسة سمات اركان الجريمة لاسيما الاركان الخاصة لكل جريمة في القاعدة القانونية الجنائية والتي تميزها عن بقية الجرائم، وتطبيقها على الواقعة الجنائية المرتكبة.
وبذلك فإن التكييف القانوني الخاطئ يؤدي الى تطبيق نص قانوني على واقعة مرتكبة لا تنسجم مع هذا النص القانوني وانما مع نص قانوني آخر.

خامسا: خطة الدراسة: تناول المشرع العراقي في قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 المعدل في الكتاب الثاني من القانون المذكور الجرائم المضرة بالمصلحة العامة والذي تناول فيه، في الباب الخامس منه، تحت عنوان "الجرائم المخلة بالثقة العامة"، جرائم تقليد وتزوير الاختام والعلامات والطوابع في الفصل الأول، وجريمة تزييف العملة وأوراق النقد والسندات المالية في الفصل الثاني، وجريمة تزوير المحررات في الفصل الثالث.
في حين تناول في الباب السادس الجرائم المخلة بواجبات الوظيفة، فكانت الرشوة موضوع الفصل الاول، والاختلاس موضوع الفصل الثاني، وتجاوز الموظفين حدود وظائفهم والذي كانت جريمة التعذيب من ضمنها موضوع الفصل الثالث.
أما الباب التاسع، فقد كان بعنوان الجرائم المخلة بالأخلاق والآداب العامة، والذي كان الفصل الأول تحت عنوان "الاغتصاب واللواط وهتك العرض"، في حين كان الفصل الثاني تحت عنوان "التحريض على الفسق والفجور"، وكان الفصل الثالث تحت عنوان "الفعل الفاضح المخل بالحياء".
أما في الكتاب الثالث من قانون العقوبات فقد كان محلا لتناول الجرائم الواقعة على الأشخاص، والذي كان الباب الأول منه تحت عنوان الجرائم الماسة بحياة الانسان وسلامة بدنه، والذي تناول فيه جريمة القتل العمد في فصله الأول، وجريمة الضرب المفضي الى الموت والقتل الخطأ في فصله الثاني، وجريمة الجرح والضرب والايذاء العمد في فصله الثالث، وجريمة الاجهاض في فصله الرابع، ليكون الفصل الخامس خاتمة الباب الاول والذي تناول فيه جريمة اخفاء جثة القتيل.
أما الباب الثاني فقد جاء ليتناول الجرائم الماسة بحرية الإنسان وحرمته، والذي عالج في فصله الأول جريمة القبض على الأشخاص وخطفهم وحجزهم؛ وفي فصله الثاني عالج جريمة انتهاك المساكن وملك الغير؛ وفي الثالث جريمة التهديد؛ وفي الرابع جريمة القذف والسب وافشاء الاسرار.
أما الباب الثالث فقد تناول الجرائم الواقعة على المال، والذي تصدرت فصله الأول جريمة السرقة، وجاءت جريمة اغتصاب السندات والأموال في فصله الثاني؛ وجريمة خيانة الامانة في فصله الثالث، والاحتيال في فصله الرابع.
ان ما تقدم لم يكن المحتوى الكامل للجرائم التي نظمها قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969، بل هنالك جرائم اخرى نُظمت تحت فصول وأبواب اخرى كالجرائم الماسة بأمن الدولة (الكتاب الثاني/ الباب الأول والثاني)، والجرائم المخلة بسير العدالة (الكتاب الثاني/ الباب الرابع)، والجرائم الاجتماعية (الكتاب الثاني/ الباب الثامن)، والاخرى التي تتعلق بالمعاملة التجارية (الكتاب الثالث/ الباب الثالث/ الفصل الثامن)، فضلا عن جرائم المخالفات التي نظمها المشرع العراقي في القانون المذكور في الكتاب الرابع والأخير.
بيد ان المفردات المقررة بالجامعات العراقية بما فيها جامعة بغداد كلية القانون والمناهج الدراسية المعتمدة الخاصة بشرح قانون العقوبات القسم الخاص(*)، اعتادت على تناول الجرائم المذكورة دون غيرها، وانسجاما معها مع مراعاة اضافة بعض المفردات بالإضافة الى المفردات المعتمدة، تكون الخطة الدراسية لدراسة مادة العقوبات القسم الخاص بالشكل التالي:

الفصل الأول: الجرائم المخلة بالثقة العامة:
المبحث الأول: جريمة تزييف العملة والأوراق النقدية- والسندات المالية.
المبحث الثاني: جريمة تزوير المحررات.
المبحث الثالث: جريمة استعمال المحررات المزورة.
الفصل الثاني: الجرائم المخلة بواجبات الوظيفة:
المبحث الأول: جريمة الرشوة وعرضها.
المبحث الثاني: الاختلاس.
المبحث الثالث: التعذيب(**).
الفصل الثالث: الجرائم المخلة بالأخلاق و الآداب العامة:
المبحث الأول: جريمة الاغتصاب واللواط.
المبحث الثاني: جريمة المواقعة بالإغواء بوعد الزواج.
المبحث الثالث: جريمة هتك العرض.
الفصل الرابع: الجرائم الواقعة على الأشخاص:
المبحث الأول: الجرائم الماسة بحياة الانسان وسلامة بدنه.
المبحث الثاني: الجرائم الماسة بحرية الانسان وحرمته.
الفصل الخامس: الجرائم الواقعة على الأموال:
المبحث الأول: جريمة السرقة.
المبحث الثاني: جريمة اغتصاب السندات والأموال.
المبحث الثالث: جريمة خيانة الامانة.
المبحث الرابع: جريمة الاحتيال والجرائم الملحقة بها.
سادسا: هدف الدراسة: تهدف الدراسة الى فهم قانون العقوبات في قسمه الخاص، من خلال دراسة الجرائم التي نص عليها قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل.
سابعا: مصادر الدراسة: سيتم اعتماد مؤلف الدكتور جمال إبراهيم الحيدري (شرح أحكام القسم الخاص من قانون العقوبات) كمنهج معتمد في الدراسة، مع مراعاة اعتماد مصادر أخرى معنية بشرح قانون العقوبات القسم الخاص والتي تتمثل بـــ: بمؤلف: د. واثبة السعدي: "قانون العقوبات (القسم الخاص)"؛ ومؤلف: د. فخري عبد الرزاق الحديثي: "شرح قانون العقوبات (القسم الخاص)"؛ ومؤلف: د. ماهر عبد شويش الدرة: "شرح قانون العقوبات/ القسم الخاص"؛ إضافة الى مصادر قانونية أخرى.





الفصل الأول
الجرائم المخلة بالثقة العامة
المبحث الأول: جريمة تزييف العملة والأوراق النقدية- والسندات المالية: تعتبر العملة، معدنية كانت أو ورقية، الوسيلة الاولى في التعامل بين الناس، وقد دفعت الرغبة في تأمين الثقة بها الى ان تحتكر الدولة لنفسها سكها والمعاقبة على تزييفها، وفي القانون العراقي وبموجب قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 المعدل، يعتبر تزييف العملة من الجرائم الخطيرة، ويعاقب عليها ولو كانت قد ارتكبت خارج الاقليم وبذلك فهي تعد من الجرائم التي تشكل الاستثناء من مبدأ اقليمية العقوبة نظرا لخطورة هذه الجرائم واثرها السلبي على الاقتصاد القومي.
وقد عالج المشرع العراقي جريمة تزييف العملة واوراق النقد والسندات المالية في المواد (280-285) من قانون العقوبات، فالمادة 280 تعاقب تقليد أو تزييف العملة أو اصدارها أو ترويجها أو ادخالها أو حيازتها بقصد ترويجها أو التعامل بها، والمادة 281 تنص على جريمة تقليد او تزوير سندات مالية او اوراق نقد او اوراق عملة مصرفية معترف بها قانونا عراقية كانت أم اجنبية، والمادة 282 تنص على ظروف مشددة بشأن جرائم المادتين المتقدمتين، وتنص المادة 283 على معاقبة من يروج أو يعيد الى التعامل عملة معدنية او اوراق مصرفية بطل التعامل بها وهو على بينة من أمرها، وتنص المادة 284 على معاقبة من قبض بحسن نية عملة معدنية أو ورقية نقدية مقلدة أو مزورة ثم تعامل بها بعد ان تبينت له حقيقتها، وتنص المادة 285 على معاقبة جرائم صنع أو بيع او ترويج او عرض للبيع او نقل او حيازة لأغراض ثقافية او علمية او صناعية او تجارية بغير ترخيص من السلطة المختصة قطعا معدنية او اوراق مشابهة في مظهرها للعملة المتداولة في العراق، اذا كان من شأن ذلك ايقاع الجمهور في الغلط، وتعاقب هذه المادة من طبع او نشر او استعمل للأغراض المذكورة فيها وبغير ترخيص من السلطة المختصة صورا تمثل وجها او جزء من وجه لعملة متداولة في العراق او لورقة من الاوراق المصرفية المأذون بإصدارها قانونا، وبمقتضى الفقرة3 من المادة المذكورة تعتبر في حكم العملة الورقية الاوراق المصرفية الاجنبية المأذون بإصدارها قانونا.

المبحث الثاني: جريمة تزوير المحررات: في المواد (286- 299) من قانون العقوبات، نظم المشرع أحكام جريمة التزوير في المحررات، في المادة 286 جرى تعريف التزوير بأنه: (تغيير الحقيقة بقصد الغش في سند أو وثيقة أو أي محرر آخر بإحدى الطرق المادية والمعنوية التي يبينها القانون، تغييراً من شأنه إحداث ضرراً بالمصلحة العامة أو بشخص من الأشخاص)، وفي المادة 287 بين المشرع طرق التزوير، وفي المواد (288- 290) تكلم المشرع عن التزوير في المحررات الرسمية، وفي المواد (291-294) تكلم المشرع عن صور خاصة من التزوير في المحررات الرسمية، أما المواد (295-297) فقد خصصها المشرع للكلام عن التزوير في المحررات العادية.

المبحث الثالث: جريمة استعمال المحررات المزورة: عاقب المشرع العراقي في المادة 298 استعمال المحررات المزورة، وأفرد المادة 299 لمعاقبة استعمال المحررات الصحيحة الصادرة للغير بدون حق، وفي الوقت الذي عاقب فيه المشرع في المادتين 300- 301 اتلاف المحررات، رسم في المادتين 302- 303 أحكاما مشتركة.


الفصل الثاني
الجرائم المخلة بواجبات الوظيفة
المبحث الأول: جريمة الرشوة وعرضها: بصدد جريمة الرشوة، يسود التشريعات الحديثة اتجاهان، على حساب الاتجاه الاول ثمة جريمة يسأن عنها الموظف المرتشي، وثمة جريمة يسأل عنها الراشي، ويطلق الفقه على جريمة المرتشي تعبير "الرشوة السلبية"، ويصطلح على جريمة الراشي بــــ "الرشوة الايجابية"، ومن هذا الاتجاه القانون الفرنسي والقانون الالماني والمغربي.
أما الاتجاه الثاني فبموجبه، تعتبر جريمة الرشوة جريمة واحدة، وهي جريمة المرتشي، أما الراشي فشريك في الرشوة، ويستمد اجرامه من اجرام الفاعل الاصلي وهو الموظف المرتشي، ومن هذا الاتجاه القانون الايطالي والقانون المصري والقانون السوري والقانون العراقي.
ووجه الفرق بين الاتجاهين، يبدو في حالة عرض الرشوة على موظف فيرفضها، فمقتضى الاتجاه الاول يعاقب الراشي عن جريمة رشوة ايجابية، على حين تمتنع معاقبته بموجب الاتجاه الثاني، ان جريمة الرشوة لا تقع إلا من موظف، أما غير الموظف فلا يسأل إلا بصفة شريك في رشوة، الأمر الذي تلافاه المشرع العراقي بنص خاص المادة313 عقوبات، بمقتضاه يعاقب كل من يعرض رشوة على موظف أو مكلف بخدمة عامة فلا تقبل منه، وذلك بوصف الواقعة جريمة خاصة قائمة بذاتها.
المبحث الثاني: الاختلاس: تناول المشرع العراقي في المواد 315-321 عقوبات،  طائفة من الجرائم أُدخلت تحت عنوان الاختلاس، وهي في مجموعها تمثل صورا للإخلال بواجبات الوظيفة، وهذه الجرائم هي:
1-              جريمة اختلاس الموظف أو المكلف بخدمة عامة مالاً مما وجد في حيازته.
2-              استغلال الوظيفة للاستيلاء على مال مملوك للدولة أو لإحدى المؤسسات التي تسهم في مالها بنصيب، أو تسهيل ذلك للغير.
3-              الاضرار بمصلحة الدولة للحصول على منفعة.
4-              انتفاع الموظف أو المكلف بخدمة عامة مباشرة أو بالواسطة من الاشغال أو المقاولات أو التعهدات التي له شأن في اعدادها أو احالتها أو تنفيذها أو الاشراف عليها.
5-              استخدام العمال سخرة.
المبحث الثالث: التعذيب: تنص المادة 333 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل على : (يُعاقب بالسجن أو الحبس كل موظف أو مكلف بخدمة عامة عذب أو أمر بتعذيب متهم أو شاهد أو خبير لحمله على الاعتراف بجريمة أو للإدلاء بأقوال أو معلومات بشأنها أو لكتمان أمر من الأمور أو لإعطاء رأي معين بشأنها. ويكون بحكم التعذيب استعمال القوة أو التهديد.)، ولإعطاء صورة واضحة عن جريمة التعذيب ينبغي علينا أولا ان نقوم بتعريف التعذيب وذلك في المطلب الأول وتحديد صوره في المطلب الثاني، واركانه في المطلب الثالث، وذلك تباعا:

المطلب الأول: تعريف التعذيب: عُرف التعذيب وفقا لاتفاقية  مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة عام 1984 بأنه : (أي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد جسدياً كان أم عقلياً يلحق عمداً بشخص ما بقصد الحصول من هذا الشخص أو شخص ثالث على معلومات أو على اعتراف أو معاقبته على عمل ارتكبه أو يشتبه في انه ارتكبه هو أو شخص ثالث أو تخويفه أو ارغامه هو أو أي شخص ثالث عندما يلحق مثل هذا الألم أو العذاب لأي سبب من الأسباب يقوم على التمييز أياً كان نوعه أو يحرض عليه أو يوافق عليه أو يسكت عنه موظف رسمي أو أي شخص أخر يتصرف بصفته الرسمية ولا يتضمن ذلك الألم أو العذاب الناشئ فقط عن عقوبات قانونية أو الملازم لهذه العقوبات أو الذي يكون نتيجة عرضية لها): (المادة1 من اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، لسنة 1984).
وعرفه المشرع العراقي في قانون المحكمة الجنائية العليا عام 2005 بأنه: (التــعمد في التسبب بالألم الشديد والمعاناة سواء كان ذلك بدنــياً أو فـكرياً علـى شخص قيد الاحتجاز أو تحت سيطرة المتهم على ان التعذيب لا يشمل الألم أو المعاناة الناجمة عن العقوبات القانونية أو ذات العلاقة بها):(المادة 37 من قانون المحكمة الجنائية العراقية العليا رقم10 لسنة2005، المنشور في الوقائع العراقية بالعدد4006 في 18/10/2005).

المطلب الثاني: صور التعذيب: ويقصد بها الأفعال المادية أو المعنوية التــي اعتـــــاد رجال السلطة اتباعها والتي تنطوي على إيلام جسدي أو نفسي للخاضع لها والتي لا يعتمد القائم  بها على تقنية متطورة أو وسيلة حديثة، فعلى الرغم من صعوبة حصر وسائل التعذيب التقليدية إلا أَنها غالباً ما تكون اما بصورة مساس بجسد الضحية، أو يكون التعذيب موجه بشكل مباشر نحو جوهر الانسان على هيئة تهديد بضرر بدافع التأثير على الارادة وجعلها تتجه في طريق معين على غير رغبة الشخص، والتي لا تقل خطورة وقوة عن التعذيب المادي أو الجسدي بل وفي بعض الاحيان تفوقها خطورة لان آثار التعذيب الجسدي يمكن ان تزول بمرور الوقت أما آثار التعذيب النفسي فتبقى ملازمة للضحية تعاني من تبعاتها لفترات طويلة جدا، ومن صور التعذيب الشائعة هي:
أولا: الضرب: وهي الطريقة الاكثر شيوعاً والتي يمكن ان تكون باللكم والرفس على انحاء مختلفة من جسم المجنى عليه او قد تكون بالجلد بواسطة الاسلاك الكهربائية او بواسطة العصا المطاطية.
ثانياً: التعذيب بالخنق:  وهذه الطريقة من التعذيب يتم تقييد المجنى عليه وما يتبعها من إدخال كمية كثيرة من الماء في فم الضحية وقد يكون الماء ساخناً أو وسخاً، أو بطريقة غطس الضحية في خزان كبير للماء الى ان يصل الى حد الاختناق  مما يولد هلعاً قاتلاً لدى الضحية.
ثالثاً: التعذيب بالكهرباء: إِنّ هذا الأسلوب المرعب في التنكيل يحدث ألماً فضيعاً في الجسد بحيث يوضع الضحية على سرير معدني أو ما شابهه بعد ان يقيد ثم يتم وضع ملاقط الكهرباء على مناطق حساسة من جسمه ثم يمرر عليه تيار الكهرباء لفترات متفاوتة قد تطول لساعات، وهذه الطريقة يفضلها القائمون  بالتعذيب عادة كونها لا تترك آثاراً مقارنة بالأساليب الاخرى.
رابعاً: التعذيب بالحرق: وهي الطريقة التي يمكن اعتبارها من اقدم الطرق والتي تتم بواسطة القضبان الحديدية بعد تسخينها الى درجة الاحمرار ومن ثم وضعها على جسم الضحية، وقد تكون عــن طريق صــب الزيت المغلــي على جــسد الضحية أو الكي بالنار.
خامساً: الإضعاف والإنهاك: إذا كانت أشكال التعذيب السابقة تعتمد على القسوة والعنف المسلط على جسد الضحية، فإنّ التعذيب بالإضعاف والإنهاك والعزلة يعتمد على المناورة بالألم لنقل الضحية الى حالة الانهيار، ويمكن القول بان هذه الطريقة تعد من صور التعذيب السلبية كون الضحية يحرم فيها من الاكل والنوم لعدة ايام.
سادساً: هتك العرض: وهي من أَخطر انواع التعذيب وأبشعها وتتمثل بالاعتداء الجنسي على المجنى عليه، الذي يكون غرضه الإفناء النفسي الكامل للضحية الذي تبدو له كلفة المقاومة أكثر إِهانة لكرامته من الاستسلام، وهذه الطريقة مارستها قوات الاحتلال الامريكي في سجن ابي غريب للفترة ما بين تشرين الاول وكانون الاول عام 2003 إذْ قام بها جنود في الفرقة ال 372 ومجموعة من الشرطة العسكرية وأعضاء في مجموعة الاستخبارات الاميركية، فقد مارس الجنود الأمريكان مجموعة من طرق التعذيب التي فيها هتك لعرض المعتقلين وقد جاء ذلك في ضوء قراءة ادارة الاحتلال للتقاليد العربية والاسلامية التي ترفض الإباحية والتعري وتعتبرها منافية للخلق والدين، وبالتالي استخدمت قوات الاحتلال والمخابرات الامريكية هذا الأسلوب السادي و اللا إنساني في التعذيب كوسيلة لانتزاع الاعتراف وكسر ارادة المعتقلين.
سابعاً: قلع الأظافر: يتم هذا الأسلوب اثناء التحقيق مع المتهم  والذي يُعد من اكثر الاساليب شهرة، ونجد وقعه واضحاً في سوح القضاء فقد قضت محكمة التمييز الاتحادية بنقض قرار الإدانة الصادر بحق المتهم (س ع ع ح) من قبل المحكمة الجنائية المركزية في بغداد الكرخ الهيئة الثالثة القاضي بإعدام المتهم شنقاً حتى الموت وفق احكام المادة الرابعة /1 بدلالة المادتين 2و3 من قانون مكافحة الارهاب رقم 13 لسنة 2005 مسببة ذلك: (على المحكمة أن تحيل المتهم الى لجنة طبية لفحصه بغية التحقق من صحة ادعاءه بأنه اعترف نتيجة تعذيبه بعد " قلع اظافر رجليه بواسطة البلايس").
ثامناً: التعذيب بالتهديد: وهذا الأسلوب يمكن اعتباره صورة من صور الاكراه المعنوي، والذي يجعل الضحية في إرباك نفسي مما يؤثر في حريته فيجعله تحت وطأة الخوف من حدوث أَمر معين، وصورته ايهام الضحية بممارسة الإعدام الوهمي عن طريق اعدام اشخاص اخرين بإطلاق عيارات نارية أو اطلاق حيوانات لمهاجمة الضحية مثل الكلاب أو القطط أو العقارب أو الثعابين.
تاسعاً: الاحتفاظ بالضحية في التوقيف لفترات طويلة دون محاكمته وبدون مُسَوّغ مشروع: والمتمثل بإبقاء الضحية في الحجز لفترات طويلة دون محاكمة وبدون مُسَوّغ مما يجعله في حالة ترقب وقلق دائم ينعكس سلباً على حالته النفسية.

المطلب الثالث: أركان جريمة التعذيب: تشترك جريمة التعذيب مع بقية الجرائم الاخرى في كونها مكونة من الركنين المادي والمعنوي، وتنفرد عن بقية الجرائم في أركانها الخاصة وهو ما سيتضح من خلال شرح كل منهما وذلك في ثلاث فروع، نتناول في الأول الركن المادي لجريمة التعذيب، ونخصص الثاني للركن المعنوي، ليكون الثالث محلا لدراسة الاركان الخاصة لجريمة التعذيب.
الفرع الأول: الركن المادي لجريمة التعذيب: يقصد بالركن المادي للجريمة السلوك الإجرامي الذي يؤدي الى حدوث نتيجة يعاقب عليها القانون، فهو يمثل الوجه الظاهر للجريمة، وبه يتحقق اعتداء الفاعل على المصلحة المحمية قانوناً، فقد يكون أما فعل جرمه القانون، أو امتناع عن فعل أمر به القانون، وتكمن أهميته في ان القانون لا يعرف جرائم بدون ركن مادي، والركن المادي بدوره يتكون من عناصره الثلاث: السلوك الاجرامي، والنتيجة الجرمية، والعلاقة السببية:
أولا: السلوك الإجرامي (الفعل): ويراد به النشاط الخارجي المكون للجريمة والمتمثل بالسلوك المادي الإرادي الذي يقوم به موظف أو مكلف بخدمة عامه اعتماداً على وظيفته للاعتداء على المجنى عليه مسبباً له ايذاءاً بدنياً أو معنوياً، وبالتالي فلا جريمة من دونه، لان القانون لا يعاقب على مجرد النوايا والرغبات والشهوات، وإذا ما رجعنا الى نص المادة (333) عقوبات، نجد بأن السلوك الإجرامي في جريمة التعذيب له صورتان الاولى هي ممارسة التعذيب بالفعل، والثانية هي الامر بالتعذيب، وهذا ما نأتي على بحثه الآن:-
1-              ممارسة التعذيب: وهو الاعتداء المادي أو المعنوي الذي يقع من الموظف أو المكلف بخدمة عامة على متهم لحمله على الاعتراف أو الإدلاء بأقوال أو معلومات بشأن جريمة، والمشرع عندما جرم التعذيب هدف الى حماية أحاد الناس من سطوة السلطة المتمثلة بالعنف الوظيفي، والذي لا يقصد تحققه بأساليب مادية دون المعنوية، كذلك الى حماية حق الإنسان في سلامة جسمه وعقله، والتي يمكن هدرها في كلا الحالتين.
2-              الامر بالتعذيب: تتحقق هذه الصورة من صور السلوك الإجرامي لجريمة التعذيب متى أصدر الجاني أوامره الى شخص أخر أو عدة أشخاص بتعذيب متهم لحمله على الاعتراف بارتكاب جريمة معينة، فقد عرف الأمر بالتعذيب بأنه: (كل تعبير يتضمن أداء عمل أو الامتناع عن عمل أو تحذير للتحوط من وقوع حدث، يصدر من رئيس يختص بإصداره الى مرؤوس يختص بتنفيذه تربطهما علاقة وظيفية عامة): (حكمت موسى سلمان: "طاعة الأوامر وأثرها في المسؤولية الجزائية"، ط1، بغداد،1970، ص26).
ومن خلال استقراء المادة 333 من قانون العقوبات العراقي نجد ان الآمر بالتعذيب فاعل اصلي في الجريمة وليس شريكاً فيها، وعليه فالمادة المذكورة أعلاه قد تضمنت فقط الامر بصورته الايجابية والذي قد يكون أمراً بصريح العبارة، أو بالإيماء، أو بالإشارة، أو بأية وسيلة أخرى متفق عليها، أما الامر بصورته السلبية والذي يمكن تصوره عندما يقوم المرؤوس بتعذيب المتهم، ويفعل ذلك بعلم الرئيس ولكنه يتغاضى عن ذلك ويسكت ولا يصدر أي أمر بكفه عن التعذيب مما يمكن اعتبار ذلك مأخذاً على نص المادة المذكورة أعلاه والذي يمكن ان يضيق من نطاق المسؤولية الجزائية عن فعل التعذيب ويتعارض مع المفهوم الواسع للتعذيب، الذي تتسع المسؤولية الجنائية فيه لتمثل كل من يوافق أو يسكت عن فعل التعذيب ومن التطبيقات القضائية لذلك فقد جاء في قرار لمحكمة التمييز: (...ان الرئيس المباشر للمتهم كان قد شاهد تعذيب المتهم للمجنى عليه وسمع صراخه إلا انه تغاضى عن ذلك فيكون المسؤول عن الجريمة، المتهم الذي مارس التعذيب فعلاً  دون سواه...): (قرار محكمة التمييز بالعدد: 194/هيئة جزائية/1998، في 18/1/1998، نقلا عن عمار تركي عطية: "الحماية الجنائية للحرية الشخصية في مواجهة السلطة العامة"، أطروحة دكتوراه، مقدمة الى كلية القانون/ جامعة البصرة،2004، ص96).
ثانيا: النتيجة الجرمية لجريمة التعذيب: النتيجة الجرمية في جريمة التعذيب فنجد لها مدلولين أحدها مادي والمتمثل بالتغير الناتج عن السلوك الإجرامي والمتمثل باعتراف المجنى عليه (المتهم) بجريمة لم يقم اصلاً بارتكابها وادلائه بأقوال غير صحيحة كنتيجة للضغط المادي أو المعنوي الذي قام به الجاني أما  المدلول الأخر وهو يمكن عده مدلولاً قانونيا هو العدوان الذي ينال مصلحة أو حقاً يحميه القانون وهي بذلك تعد عنصر من عناصر الركن المادي في الجريمة.
ثالثا: الرابطة السببية: رابطة السببية هي العنصر الثالث من عناصر الركن المادي للجريمة وتعني هذه الرابطة ان السلوك الإجرامي للجاني هو الذي تسبب في حدوث النتيجة الإجرامية وتوافر رابطة السببية شرط لازم لمساءلة الجاني عن جريمته تلك، ذلك انه لكي يسأل الشخص جنائياً عن جريمته، فلابد ان يكون سلوكه الإجرامي الناشئ عن عمله أو امتناعه هو الذي أدى الى حدوث النتيجة الإجرامية المعاقب عليها، أي لابد وان يرتبط السلوك الإجرامي بالنتيجة الإجرامية ارتباط السبب بالمسبب والعلة بالمعلول.
وبناءاً عليه فان الرابطة السببية في جريمة التعذيب تكون متوافرة متى كان السلوك الإجرامي للجاني (الأمر بالتعذيب أو ممارسة التعذيب بالفعل) هو الذي تسبب في حصول النتيجة الإجرامية والمتمثلة في المساس بسلامة جسد المجنى عليه ولكن قد يقع السلوك الإجرامي وتتحقق النتيجة الضارة.
الفرع الثاني: الركن المعنوي لجريمة التعذيب: يمكن القول بأن الركن المعنوي هو عبارة عن علاقة تربط بين ماديات الجريمة وشخصية الجاني، الذي اقترفها، إذْ ان جوهر هذه العلاقة هو الارادة فقد يرتكب فعل التعذيب شخص تتوافر فيه صفة الجاني على شخص تتوافر فيه صفة المجنى عليه ورغم وجود علاقة السببية بين فعله والنتيجة الجرمية إلا ان الجريمة لا تتحقق، وذلك لان الجريمة ليست مجرد كيان مادي يتشكل من الفعل وما قد يترتب عليه من آثار، وانما هي كيان شخصي ايضاً: (د. فخري عبد الرزاق الحديثي: "شرح قانون العقوبات: القسم العام"، مطبعة الزمان، بغداد، 1992، ص273).
وجريمة التعذيب تتحقق إذا ما  وقع التعذيب من قبل موظف أو مكلف بخدمة عامة على شخص كلف بالحضور أمام القضاء أو السلطة التحقيقية ليدلي بمعلومات حول واقعة معينة وذلك لحمله على الإدلاء بمعلومات معينة أو كتمانها.
لذلك لابد من توافر الركن المعنوي كون جريمة التعذيب هي من الجرائم العمدية وان القصد الجرمي هو صورة الركن المعنوي فيها، وإذا ما رجعنا الى نص المادة 333 من قانون العقوبات العراقي والتي جاء فيها: (... لحمله على الاعتراف بجريمة أو الإدلاء بأقوال أو معلومات بشأنها أو لكتمان أمر من الأمور أو لإعطاء رأي معين بشأنها)، نجد بأنه لا يكفي اتجاه ارادة الموظف أو المكلف بخدمة عامة الى ايذاء المتهم أو الشاهد أو الخبير ايذاء يصدق عليه وصف التعذيب فحسب، بل يجب ان تتجه إرادته فضلاً عن ايذاء المجنى عليه الى حمله على الاعتراف أو الإدلاء بأقوال أو معلومات أو لكتمانها أو لإعطاء رأي بحسب الأحوال، أي يجب ان يكون لدى الجاني غرض معين أو قصد خاص هو حمل المجنى عليه على الاعتراف، وهو ما يتضح من خلال التعرف على القصد الجنائي العام والخاص للركن المعنوي لجريمة التعذيب:
أولا: القصد الجنائي العام في جريمة التعذيب: القصد الجنائي العام في جريمة تعذيب متهم لحمله على الاعتراف يقوم بانصراف ارادة الجاني، الى المساس بسلامة جسد المجنى عليه (المتهم) كأثر للسلوك الإجرامي (الامر بالتعذيب او ممارسة التعذيب بالفعل) مع علمه بذلك، وعليه فأن القصد الجنائي هنا يقوم على عنصرين هما:
1-                العلم: لكي يتوافر القصد الجنائي العام يجب ان يكون الجاني محاطاً علماً بحقيقة الواقعة الإجرامية من حيث الواقع، ومن حيث القانون وبدون هذا العلم لا يمكن تصور وجود الارادة الإجرامية، إذ تقوم هذه الارادة على أساس العلم بالواقعة الإجرامية والعلم بالقانون، وعلى ذلك يتعين ان يكون الجاني في جريمة تعذيب متهم لحمله على الاعتراف عالما بماديات الواقعة الإجرامية في جريمة التعذيب، أي يجب ان يعلم بأنه يقترف فعلاً أو امتناعاً من شأنه ان يشكل السلوك الإجرامي في جريمة التعذيب.
 ومن ناحية أخرى يجب ان يعلم الجاني ان من شأن هذا الفعل أو الامتناع ان يؤدي الى المساس       
بسلامة جسد المجنى عليه سواء كان هذا المساس مادياً أو معنوياً.
ومن ناحية ثالثة يجب ان ينصرف علم الجاني ايضاً الى الشروط (المفترضة) أي يجب ان يكون الجاني عالماً بأنه متمتعاً بصفة الموظف العام، وان المجنى عليه متمتعاً بصفة المتهم، أي يتعين لتوافر عنصر العلم في جريمة التعذيب ان يكون الجاني عالماً بكل ماديات هذه الجريمة، أي لابد ان يكون عالماً بأنه يوجه فعله الى جسم إنسان حي وكذلك علمه بخطورة فعله على حق المجنى عليه في سلامة جسمه وكذلك ان يكون متوقعاً إلحاق الأذى به، وكما يجب ان ينصرف علمه الى صفة المجنى عليه، ذلك ان هذه الصفة تعد ركناً خاصاً في هذه الجريمة.
2-                الارادة: لا يكفي لقيام القصد الجنائي العام ان يكون الجاني عالماً بماديات الجريمة وعناصرها، بل يلزم فضلاً عن ذلك ان تتجه ارادة الجاني نحو ارتكاب السلوك الإجرامي المعاقب عليه وفق المادة 333 من قانون العقوبات، وعلى ذلك لابد من ان تنصرف ارادة الموظف أو المكلف بخدمة عامة الى المساس بسلامة جسد المجنى عليه (المتهم) كأثر لاتجاه إرادته الى ارتكاب الامر بالتعذيب أو ممارسة التعذيب على المتهم بالفعل، وبناء عليه فإذا انعدمت إرادة الجاني في إحداث السلوك الإجرامي و نتيجته، فلا يقوم القصد الجنائي للجريمة أي الركن المعنوي، ومن ثم لا تقوم المسؤولية الجنائية.
ثانيا: القصد الجنائي الخاص في جريمة التعذيب: ان المشرع الجنائي في بعض الأحيان وخلافاً للأصل قد لا يكتفي بتوافر العنصرين السابقين للقصد الجنائي وانما يتطلب ان يكون مرتكبها قد اتاها مدفوعاً بباعث خاص أو نية تحقيق غاية أو غرض معين، وبذلك يدخل هذا الغرض أو الباعث كعنصر في تكوين القصد وهنا يطلق عليه بالقصد الجنائي الخاص.
ونجد بان المشرع العراقي بموجب المادة (333) من قانون العقوبات لم يكتف بالقصد العام وانما اشترط ان يكون مرتكبها قد اتاها مدفوعاً بباعث خاص أو نية تحقيق غرض معين، وبذلك يدخل هذا الغرض كعنصر في تكوين القصد الخاص، فمتى ما اتجهت نية الموظف أو المكلف بخدمة عامة والصادر عنه فعل التعذيب، فضلاً عن إيقاع الإيذاء الى الوصول بالإيذاء الى نتيجة معينة، وهي حمل المتهم الى الاعتراف بالجريمة، تحققت جريمته، ولكن لا يلزم لتطبيق أحكام المادة (333) ان يكون القائم بالتعذيب، قد تحصل على مراده بل العبرة بالقصد الجرمي وبنية المعذب، وعلى هذا الأساس فأن الجريمة لا تقوم إذا لم يكن القصد من تعذيب المتهم حمله على الاعتراف كما لوكان القصد منه التشفي من المتهم لشكواه معذبه الى قاضي التحقيق، فتعدي رجل الشرطة على المجنى عليه بدافع الانتقام لا يصلح لتوافر هذه الجريمة فمتى خلا ذهن رجل الشرطة من استهداف استخلاص الاعتراف أو انتزاعه من المتهم، وان كان يصلح لتوافر جريمة استعمال القسوة أو غيرها من الجرائم وذلك لتخلف القصد الخاص المطلوب توافره في جريمة التعذيب، وكذلك الحال إذا كان ايذاء المجنى عليه من قبل الجاني بدافع التسلية أيضاً هنا لا تتحقق جريمة التعذيب وفق أحكام المادة 333 من قانون العقوبات وذلك لانتفاء القصد الجرمي الخاص بانتزاع اعتراف أو معلومات من المجنى عليه، فهنا قد نكون أمام جريمة أخرى كجريمة استعمال القسوة وفق المادة 332 من قانون العقوبات أو جريمة الإيذاء أو الضرب أو الجرح وفق المواد 412 أو413 من قانون العقوبات. علما بأنه لا يشترط ان يكون الجاني مختصاً بالتحقيق بشان الواقعة التي تحوم الشبهة حول المتهم بارتكابها أو اشتراكه فيها وانما يكفي ان يكون للموظف أو المكلف بخدمة عامة سلطة بموجب وظيفته تسمح له بتعذيب المتهم بقصد حمله على الاعتراف.
الفرع الثالث: الاركان الخاصة بجريمة التعذيب: ان جميع الجرائم تشترك بالأركان العامة، إلا ان لكل جريمة على حدة أركان خاصة تميزها عن غيرها، وهذه الأركان لابد من وجودها لكي تقوم الجريمة وفقاً للنموذج القانوني المنصوص عليه، فلولا توافر هذا الركن أو العنصر كما يطلق عليه البعض، لما أمكن القول بوجود الجريمة وان كانت تنضوي تحت وصف قانوني أخر، وجريمة التعذيب من الجرائم التي اشترط لقيامها وجود مثل هذه الأركان والمتمثلة بصفة الجاني، وصفة المجنى عليه أو كلاهما.
ونجد اغلب التشريعات الجنائية تكاد تكون متفقة على صفة الموظف أو المكلف بخدمة عامة بالنسبة للجاني، وهذا ما نصت عليه المادة (333) من قانون العقوبات العراقي بقولها: (كل موظف او مكلف بخدمه عامه عذب أو أمر بتعذيب ...)، أما بالنسبة لصفة المجنى عليه فنجد ان التشريعات قد اختلفت في تحديد هذه الصفة بين قصرها على صفة المتهم كما هي الحال في القانون المصري والليبي والتونسي، وبين من توسع فيها وذلك بإضافة الشاهد والخبير ليكونا محلاً للحماية القانونية المقررة في هذا النص كما جاء في تشريعنا العراقي.




الفصل الثالث
الجرائم المخلة بالأخلاق و الآداب العامة

المبحث الأول: جريمة الاغتصاب واللواط: تناول قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل هذه الجرائم في المواد 393- 394، حيث عاقب في المادة 393 مرتكب هذه الجرائم في حالة عدم رضا المجنى عليه، وفي المادة 394 عاقب مرتكب هذه الجرائم في حالة وقوعها على ذكر أو انثى أتما الخامسة عشرة ولم يتما الثامنة عشرة سنة كاملة برضاهما.

المبحث الثاني: جريمة المواقعة بالإغواء بوعد الزواج: أما في المادة 395 فقد عاقب من يواقع انثى بعد اغوائها بوعد الزواج ثم يرفض التزوج بها.

المبحث الثالث: جريمة هتك العرض: عالج المشرع جرائم هتك العرض في المادتين 396 و 397 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل، حيث عالج في المادة 396 هتك العرض المصحوب بالقوة والتهديد أو بالحيلة أو بأي وجه آخر من أوجه عدم الرضا، وفي المادة 397 عالج هتك العرض بغير قوة أو تهديد أو حيلة.
ويُقصد بجريمة هتك العرض: (كل فعل منافٍ للآداب يقع مباشرة على جسم المجنى عليه أو عليها ولا يصل الى مرتبة فعل المواقعة أو اللواطة أو الشروع بهما).(د. واثبة السعدي: م. س، ص76-77).



الفصل الرابع
الجرائم الواقعة على الأشخاص

المبحث الأول: الجرائم الماسة بحياة الانسان وسلامة بدنه: تناول المشرع العراقي الجرائم الماسة بحياة الانسان وسلامته في الباب الاول من الكتاب الثالث المتعلق بالجرائم الواقعة على الاشخاص وتضمن جريمة القتل العمد في فصله الاول، وجريمتي الضرب المفضي الى الموت والقتل الخطأ في فصله الثاني، وجرائم الجرح والضرب والايذاء العمد في فصله الثالث، والاجهاض في فصله الرابع، واخفاء جثة قتيل في فصله الخامس.

المطلب الأول: القتل العمد: تكلم قانون العقوبات على القتل العمد في المادتين 405، 406 في حين تناولت المادتين 407، 409 على صورتين للقتل العمد المخفف.

المطلب الثاني: الضرب المفضي الى الموت: تنص المادة 410 عقوبات على انه: (من اعتمد عمدا على آخر بالضرب أو الجرح أو بالعنف أو بإعطاء مادة ضارة أو ارتكاب أي فعل آخر مخالف للقانون ولم يقصد من ذلك قتله ولكنه أفضى الى موته يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على خمس عشرة سنة. وتكون العقوبة السجن مدة لا تزيد على عشرين سنة إذا ارتكبت الجريمة مع سبق الاصرار أو كان المجني عليه من أصول الجاني أو كان موظفاً أو مكلفاً بخدمة عامة ووقع الاعتداء عليه أثناء تأدية وظيفته أو خدمته أو بسبب ذلك).
تعد جريمة الضرب المفضي الى الموت صورة متعدية القصد، وهي تختلف عن القتل العمد، اذ فيها يقصد الجاني الى مجرد الضرب أو الجرح أو اعطاء مادة ضارة لإيذاء المجني عليه في سلامة جسمه، إلا ان النتيجة تتجاوز قصده فتحدث حالة الوفاة، في حين ان جريمة القتل العمد يكون الجاني فيها قاصدا لإزهاق روح المجني عليه.

المطلب الثالث: القتل الخطأ: عالج المشرع العراقي جريمة القتل الخطأ في المادة 411 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل، وعلة التجريم تكمن في ان هذه الجريمة تشكل اعتداءاً على حق الانسان في الحياة وهو حق مصون وكفلت حمايته اعلانات الحقوق والمواثيق الدولية والدساتير والقوانين الوطنية.
من أوجه الشبه ما بين جريمة القتل الخطأ وجريمة القتل العمد هو نشاط الجاني الذي يتمثل بفعل الاعتداء المميت وأياً كانت الوسيلة التي يقع فيها هذا الاعتداء سواء كانت الوسيلة قاتلة بطبيعتها كالأسلحة النارية أو السكين أو بوسيلة غير قاتلة بطبيعتها ولكن باستخدام الجاني لها تصبح قاتلة كسكين المطبخ أو الفأس أو الحجارة أو العصا وغيرها من الوسائل، كما تتشابه الجريمتان من حيث النتيجة وهي الوفاة، في حين يكمن الاختلاف ما بين جريمة القتل الخطأ وبين العمد في الركن المعنوي وهو توفر القصد الجرمي في الاخيرة دون الاولى.
ان لجريمة القتل الخطأ متطلبات موضوعية وأخرى معنوية تتمثل بالخطأ وقد حدد المشرع العراقي صور الخطأ في المادة 35 من قانون العقوبات وهي الاهمال وعدم الانتباه وعدم الاحتياط والرعونة وعدم مراعاة القوانين والانظمة والتعليمات واللوائح.

المطلب الرابع: الجرح والضرب والايذاء العمد: خص المشرع جرائم الجرح والضرب والايذاء العمد بالمواد (413-416) عقوبات، وهذه الجرائم تختلف عن بعضها بالنظر الى الجسامة، فمن ضرب أو جرح بسيط، الى ايذاء بليغ، الى ضرب يفضي الى عاهة مستديمة، وفي بعض الجرائم يعاقب المشرع بوصف العمد كما يعاقب على بعضها بوصف الخطأ، ومن هذه الجرائم ما هو من نوع جنح، ومنها ما هو من نوع جنايات، علما بان الفعل الاجرامي فيها جميعا هو فعل الجرح أو الضرب أو اعطاء مادة ضارة أو العنف أو أي فعل آخر مخالف للقانون والذي يأتيه فاعله عمداً، يضيف المشرع بالنسبة لبعض هذه الجرائم ظروفاً مشددة ويجعل الاخذ بها الزامياً على المحكمة.

المطلب الخامس: الاجهاض: الاجهاض لغير ضرورة جريمة معاقب عليها بموجب قانون العقوبات العراقي المعدل، في المواد 417-419، فقد خص المادة 417 لجريمة اجهاض المرأة عمدا برضاها، في حين خصص المادة 418 لجريمة اجهاض المرأة عمداً بدون رضاها، وكانت المادة 419 محلا لجريمة الاعتداء المفضي الى الاجهاض.

المطلب السادس: اخفاء جثة قتيل: عالج المشرع العراقي هذه الجريمة في المادة (420) من قانون العقوبات وعلة تجريم اخفاء جثة قتيل أو دفنها دون اخبار السلطة المختصة وقبل الكشف عليها والتحقيق في حالة الموت تكمن في ان الجاني يسعى بنشاطه هذا الى عرقلة جهود السلطات المختصة التي تسعى الى الكشف عن الحقيقة والوصول الى الجاني وتحديد سبب الوفاة خاصة إذا كانت الوفاة غير طبيعية أي نتيجة سلوك اجرامي.
ان المتطلبات الموضوعية لهذه الجريمة تتمثل بنشاط الجاني والذي حددته المادة 420 من قانون العقوبات بالإخفاء أو الدفن ويراد بهما كل نشاط يأتيه الجاني ويبعد به الجثة عن انظار السلطات المختصة بحيث لا تستطيع معاينتها ولا يشترط بالإبعاد ان يكون دائميا، فقد يكون الابعاد مؤقتا، ويشترط بالإبعاد أو الدفن ان يكون غير مشروع وان ينصب على جثة انسان مات ميتة غير طبيعية نتيجة قتل عمد أو خطأ أو اعتداء افضى الى موت أو نتيجة انتحار.
 ان جريمة اخفاء جثة قتيل تعد من الجرائم العمدية التي تتطلب توافر القصد الجرمي من علم وارادة، اما عقوبتها فهي الحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة أو بأحدهما.

المبحث الثاني: الجرائم الماسة بحرية الانسان وحرمته: تحت هذا العنوان بين المشرع الاحكام الخاصة بجرائم القبض على الأشخاص وخطفهم وحجزهم (المواد 421-427)، وانتهاك حرمة المساكن وملك الغير (المواد 428-429)، والتهديد (المواد 430-432)، والقذف والسب وافشاء السر (المواد 433-438) من قانون العقوبات، وهو ما سنتطرق له تباعا:

المطلب الأول: جرائم القبض على الأشخاص وخطفهم وحجزهم: بينت المادة 421 أحكام هذه الجريمة وعقوبتها، وتكمن علة تجريم القبض والحجز في رغبة المشرع في كفالة الحرية الشخصية ومنع المساس بها في غير الحالات التي بينها القانون علماً ان الدستور العراقي لعام 2005 قد كفل حماية الحرية في المادة 35 منه، بالإضافة الى نص المادة 92 من قانون أصول المحاكمات الجزائية التي نصت على : (لا يجوز القبض على أي شخص أو توقيفه الا بمقتضى امر صادر من قاضي أو محكمة أو في الاحوال التي يجيز فيها القانون ذلك)، وتأكيدا لذلك جاءت المادة 421 من قانون العقوبات العراقي المعدل لتعاقب من يعتدي على الحرية الشخصية، في حين جاءت كل من المادة 422 والمادة 423 من القانون المذكور لتجرم الخطف، فقد تناول المشرع في المادة 422 جريمة خطف الحدث، وفي المادة 423 جريمة خطف الانثى البالغة، في حين جاءت المادة 324 لتأكد انه في حالة اذا افضى الاكراه او التعذيب المبين في الفقرة ب من المادة 421 الى موت المخطوف تكون العقوبة الاعدام أو السجن المؤبد، في حين عالج المشرع في المادة 425 من قانون العقوبات جريمة إعارة محل للحبس أو الحجز غير الجائزين قانوناً.

المطلب الثاني: انتهاك حرمة المساكن وملك الغير: جاء الدستور العراقي لعام 2005 ليؤكد حرمة المساكن وذلك في المادة (17/ 2) والتي تنص على : (...حرمة المساكن مصونةٌ، ولا يجوز دخولها او تفتيشها او التعرض لها الا بقرارٍ قضائي، ووفقاً للقانون.)، في حين جاءت المواد 428، 429 لتجرم انتهاك حرمة المساكن وملك الغير، من خلال نص المادة 428 على: (1- يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تزيد على مليون دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين:
أ- من دخل محلا مسكونا او معدا للسكنى او احد ملحقاته وكان ذلك بدون رضاء صاحبه وفي غير الاحوال التي يرخص فيها القانون بذلك.
ب- من وجد في محل مما ذكر متخفيا عن اعين من له حق في اخراجه منه.
ج- من دخل محلا مما ذكر بوجه مشروع وبقي فيه على غير ارادة من له الحق في اخراجه منه.
2-اذا كان القصد من دخول المحل او الاختفاء او البقاء فيه منع حيازته بالقوة او ارتكاب جريمة فيه تكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد على سنتين وغرامة لا تزيد على مليون دينار او بإحدى هاتين العقوبتين. وتكون العقوبة الحبس اذا وقعت الجريمة بين غروب الشمس وشروقها او بواسطة كسر او تسلق او من شخص حاملا سلاحا ظاهرا او مخبأ او من ثلاثة اشخاص فاكثر او من شخص انتحل صفة عامة او ادعى القيام بخدمة عامة بالاتصاف بصفة كاذبة.).
في حين تنص المادة 429 على: (1- اذا ارتكبت الجريمة المبينة في المادة 428 في محل معد لحفظ المال او في عقار غير ما ذكر فيها فتكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد على سنة او الغرامة التي لا تزيد على مليون دينار.
2-              وتكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد على سنتين والغرامة التي لا تزيد على مليون دينار او احدى هاتين العقوبتين اذا ارتكبت الجريمة المبينة في الفقرة (1) من شخصين على الاقل يحمل احدهما سلاحا ظاهرا او مخبأ او من خمسة اشخاص فاكثر.).

المطلب الثالث: التهديد: عاقب المشرع العراقي على التهديد في ذاته بمقتضى المواد 430-432 من قانون العقوبات، فالمادة 430 منه تنص في فقرتها الاولى على: (يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على سبع سنوات أو بالحبس كل من هدد آخر بارتكاب جناية ضد نفسه أو ماله أو ضد نفس أو مال غيره أو بإسناد أمور مخدشة بالشرف أو افشائها وكان ذلك مصحوبا بطلب أو بتكليف بأمر أو الامتناع عن فعل أو مقصودا به ذلك.)، في حين تنص الفقرة الثانية من المادة المذكورة على : (ويعاقب بالعقوبة ذاتها التهديد اذا كان التهديد في خطاب خال من اسم مرسله او كان منسوبا صدوره الى جماعة سرية موجودة او مزعومة.).
أما المادة 431 من قانون العقوبات فتنص على: (يعاقب بالحبس كل من هدد آخر بارتكاب جناية ضد نفسه أو ماله أو ضد نفس أو مال غيره أو بإسناد أمور خادشة للشرف أو الاعتبار أو إفشائها بغير الحالات المبينة في المادة 431.).
وجاءت المادة 432 لتذكر انه: (كل من هدد آخر بالقول أو الفعل أو الاشارة كتابة أو شفاها أو بواسطة شخص آخر في غير الحالات المبينة في المادتين 431 و 431 يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة واحدة أو بغرامة لا تزيد على مليون دينار.).

المطلب الرابع: والقذف والسب وافشاء السر: جمع المشرع بين القذف والسب وافشاء السر في المواد (433-438 ) عقوبات، خص القذف والسب بالمواد (433-436)، وأفرد لإفشاء السر المادتين (437- 438)، وتعد الجرائم المذكورة من الجرائم الماسة بحرمة الانسان، بصورة عامة، كونها تطول الشرف أو الاعتبار أو تجرح الشعور.


الفصل الخامس
الجرائم الواقعة على الأموال
المبحث الأول: جريمة السرقة: تناول المشرع جريمة السرقة والجرائم الملحقة بها في المواد (439-450) عقوبات، خصص المادة (439) لتعريف السرقة والذي جاء فيها: (السرقة اختلاس مال منقول مملوك لغير الجاني عمداً. ويعتبر مالا منقولا لتطبيق أحكام السرقة النبات وكل ما هو متصل بالأرض أو مغروس فيها بمجرد فصله عنها والثمار بمجرد قطفها والقوى الكهربائية والمائية وكل طاقة أو قوة محرزة اخرى. ويعد في حكم السرقة اختلاس المنقول المحجوز عليه قضائيا أو اداريا أو من جهة مختصة أخرى والمال الموضوع تحت يد القضاء بأي وجه ولو كان الاختلاس قد وقع من مالك المال وكذلك اختلاس مال منقول مثقل بحق انتفاع أو بتأمين عيني أو بحق حبس أو متعلق به حق الغير ولو كان ذلك حاصلا من مالكه.).
في حين خصص المواد (440-445) عقوبات لجنايات السرقة، وأفرد المادة 446 للسرقة البسيطة، أما المواد (447-450)، فقد خصها المشرع للجرائم الملحقة بجريمة السرقة.

المبحث الثاني: اغتصاب السندات والاموال: تنص المادة (451) من قانون العقوبات على: (مع عدم الاخلال بأية عقوبة اشد ينص عليها القانون يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على خمس عشرة سنة من اغتصب بالقوة أو الاكراه أو التهديد سندا أو محررا أو توقيعا أو ختما أو بصمة ابهام أو حمل آخر بإحدى الوسائل المذكورة على الغاء شيء من ذلك أو اتلافه أو تعديله أو على التوقيع على بياض.).
من خلال قراءة هذه المادة يتضح بأن الجريمة تقع اذا توافرت لها ثلاثة اركان هي اغتصاب سند أو توقيع أو الغاء شيء من ذلك أو اتلافه أو تعديله أو التوقيع على بياض، أن يحصل ذلك بالقوة أو الاكراه أو التهديد، والقصد الجرمي.

المبحث الثالث: جريمة خيانة الامانة: تنص المادة (453) على: (كل من اؤتمن على مال منقول مملوك للغير أو عهد به اليه بأية كيفية كانت أو سلم له لأي غرض كان فاستعمله بسوء قصد لنفسه أو لفائدته أو لفائدة شخص آخر أو تصرف به بسوء قصد خلافا للغرض الذي عهد به اليه أو سلم له من اجله حسب ما هو مقرر
قانونا أو حسب التعليمات الصريحة أو الضمنية الصادرة ممن سلمه اياه أو عهد به اليه يعاقب بالحبس أو بالغرامة.
وتكون العقوبة الحبس إذا كان مرتكب الجريمة من محترفي نقل الاشياء براً أو بحراً أو جواً أو أحد تابعيه وكان المال قد سلم اليه بهذه الصفة. أو كان محاميا أو دلالا أو صيرفيا سلم اليه المال بمقتضى مهنته أو اذا ارتكب الجريمة كاتب أو مستخدم أو خادم بخصوص مال سلمه اليه من استخدمه. وتكون العقوبة السجن مدة لا تزيد على سبع سنوات أو الحبس اذا كان مرتكب الجريمة شخصا معينا بأمر المحكمة بخصوص مال عهدت به اليه المحكمة أو كان وصيا أو قيما على قاصر أو فاقد للأهلية أو كان مسؤولا عن ادارة مؤسسة خيرية بشأن أموال المؤسسة.).
وبذلك فإن جريمة خيانة الامانة طبقا للمادة 453 عقوبات، تفترض ان الجاني يحوز مالا منقولا مملوكا للغير، وانه مؤتمن على هذا المال أو عهد به اليه بأية كيفية كانت أو سلم له لأي غرض، فاستعمله أو تصرف به بسوء قصد خلافا للغرض الذي عهد به اليه أو سلم له من أجله.
المبحث الرابع: جريمة الاحتيال والجرائم الملحقة بها:
جريمة الاحتيال:  

تنص المادة 456 ق.ع.ع على: (1- يعاقب بالحبس كل من توصل الى تسلم أو نقل حيازة مال منقول مملوك للغير لنفسه أو الى شخص آخر وذلك بإحدى الوسائل التالية:
أ- باستعمال طرق احتيالية.
ب- باتخاذ اسم كاذب أو صفة غير صحيحة أو تقرير أمر كاذب عن واقعة معينة متى كان من شأن ذلك خدع المجنى عليه وحمله على التسليم.
2 - ويعاقب بالعقوبة ذاتها كل من توصل بإحدى الطرق السابقة الى حمل آخر على تسليم أو نقل حيازة سند موجد لدين أو تصرف في مال أو ابراء أو على أي سند آخر يمكن استعماله لإثبات حقوق الملكية أو أي حق عيني آخر. أو توصل بإحدى الطرق السابقة الى حمل آخر على توقيع مثل هذا السند أو الغائه أو اتلافه أو تعديله.).
           
  الجرائم الملحقة بالاحتيال: 

1- التصرف في منقول أو عقار (457): (يعاقب بالحبس من تصرف في مال منقول او عقار يعلم انه لا يملكه او ليس له حق التصرف فيه او تصرف في هذا المال مع علمه بسبق تصرفه فيه او التعاقد عليه وكان من شأن ذلك الاضرار بالغير.).

                                      

2- استغلال حاجة قاصر أو هواه أو عدم خبرته (458): (1- يعاقب بالحبس من انتهز حاجة قاصر لم يتم الثامنة عشرة من عمره او استغل هواه او عدم خبرته وحصل منه اضرارا بمصلحته او بمصلحة غيره على مال او سند مثبت لدين او مخالصة او على الغاء هذا السند او تعديله.
ويعتبر في حكم القاصر، المجنون والمعتوه والمحجور ومن حكم باستمرار الوصاية عليه بعد بلوغه الثامنة عشرة.
وتكون العقوبة السجن مدة لا تزيد على سبع سنوات او الحبس اذا كان مرتكب الجريمة وليا أو وصيا أو قيما على المجنى عليه أو كان مكلفا بأية صفة برعاية مصالحه
سواء كان ذلك بمقتضى القانون أو بمقتضى حكم أو اتفاق خاص.).


3- اعطاء صك بدون رصيد (459): (1- يعاقب بالحبس وبغرامة لا تزيد على مليون دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين من اعطى بسوء نية صكا وهو يعلم بأن ليس له مقابل وفاء كاف قائم وقابل للتصرف فيه أو استرد بعد اعطائه اياه كل المقابل أو بعضه بحيث لا يفي الباقي بقيمته أو امر المسحوب عليه بعدم الدفع أو كان قد تعهد تحريره أو توقيعه بصورة تمنع من صرفه.
ويعاقب بالعقوبة ذاتها من ظهر لغيره صكا أو سلمه صكا مستحق الدفع لحامله وهو يعلم ان ليس له مقابل يفي بكل مبلغه.).



** نبذة مختصرة توضيحية لمادة قانون العقوبات القسم الخاص لطلبة كلية القانون الجامعة دجلة المرحلة الثالثة.
(*) يُنظر: د. واثبة السعدي: "قانون العقوبات/ القسم الخاص"، دار العربية للقانون؛ د. فخري عبد الرزاق الحديثي: "شرح قانون العقوبات (القسم الخاص)"، المكتبة القانونية؛ د. ماهر عبد شويش الدرة: "شرح قانون العقوبات/ القسم الخاص"، العاتك؛ د. جمال إبراهيم الحيدري: "شرح أحكام القسم الخاص من قانون العقوبات"، السنهوري.
(**) وردت جريمة التعذيب في المادة (333) من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 المعدل، والتي نُظمت ضمن الفصل الثالث المتعلق بتجاوز الموظفين حدود وظائفهم من الباب السادس المعني بالجرائم المخلة بواجبات الوظيفة، وقد أُدرجت هذه المفردة لتضاف الى المفردات المعنية بتدريس مادة قانون العقوبات القسم الخاص في كلية دجلة الجامعة الأهلية، نظرا لأهميتها وخطورتها وتطور وسائلها لاسيما في مراكز الشرطة والهيئات المناطة بها مهمة التحقيق مع المتهمين واجبار المتهم بعد التعذيب للاعتراف بتهم لم يرتكبها، وعلى الرغم من خطورة هذه الجريمة إلا انها لم تُدرج كمفردة في الكتب المنهجية المعنية بشرح قانون العقوبات القسم الخاص، لذا اقتضى التنويه.

Comments

  1. شرح وملخصات وافية شكرا لجهودكم

    ReplyDelete
  2. لو كان هناك اسئلة بخصوص قانون العقوبات الخاص خاصتا وان هناك اسئلة عن القانون العام منشورة من قبلكم ...شكرا

    ReplyDelete
    Replies
    1. https://mohammedalzeber.blogspot.com/2018/10/blog-post_6.html هذه الاسئلة منشورة بالمدونة مع تنياتنا لحضرتك التوفيق والسداد

      Delete

Post a Comment

يرجى مشاركة ارائكم ومقترحاتكم

Popular posts from this blog

القدم الوظيفي المترتب عن الشكر والتقدير

                                        هل يترتب على الشكر والتقدير الصادر عن السيد رئيس مجلس الوزراء قدم لستة اشهر؟!   م.د. محمد عدنان علي تدريسي ومدير قسم الشؤون الادارية والمالية في جامعة جابر بن حيان للعلوم الطبية والصيدلانية                       لمقتضيات الوقوف على سياق اداري وقانوني سليم وحماية للمراكز القانونية للموظفين في احتساب مدد القدم نتيجة الشكر والتقدير الممنوح من قبل السيد رئيس مجلس الوزراء والسيد وزير التعليم العالي والبحث العلمي والسيد رئيس الجامعة نسطر ملاحظاتنا القانونية التالية: أولا: جاء في كتاب امانة مجلس الوزراء ذي العدد ق/ 2/ 5/ 27 / 07647 في 11/ 3/ 2020 ، إجابة عن عدد من التساؤلات: (ان الشكر الموجه من قبل السيد رئيس الوزراء يرتب قدما لمدة ستة اشهر)، وهو رأي قانوني غير سليم لم يتوفر فيه سندا   قانونيا   سوى قرار مجلس قيادة المنحل رقم 155 لسنة 2000 والذي جاء نصه : ( يرتب الشكر و...

جريمة السرقة في تطبيقات محكمة النقض المصرية

اركان جريمة السرقة الطعن رقم   1085      لسنة 20   مكتب فنى 02   صفحة رقم 189 بتاريخ 20-11-1950 الموضوع : سرقة                        الموضوع الفرعي : اركان جريمة السرقة                                 فقرة رقم : 1 من أركان جريمة السرقة أن يأخذ السارق الشىء بنية تملكه . و المفروض أن من يختلس شيئأً فإنما ينوى تملكه . و قد إستقر قضاء هذه المحكمة على أنه فى هذه الحالة لا تلزم محكمة الموضوع بالتحدث عن توفر هذا الركن . و لكن إذا كان المتهم قد نازع فى قيام هذا الركن بقوله إنه ما قصد بأخذ البطانية محل دعوى السرقة إلامجرد الإلتفاح بها إتقاء للبرد فإنه يكون من الواجب على المحكمة أن تتحدث عن قصده الجنائى و تقيم الدليل على توفره ، فإذا هى لم تفعل كان حكمها قاصراً قصوراً يعيبه بما يستوجب نقضه . ...

تعريف القاعدة القانونية وخصائصها.. عناصرها.. مصادرها

    د. محمد عدنان علي القاعدة القانونية قاعدة سلوك اجتماعية تنظم العلاقة ما بين الأشخاص  ملزمة ومقترنة بجزاء تفرض على من يخالفها من قبل السلطة العامة. القاعدة القانونية   خصائص القاعدة القانونية عناصر القاعدة القانونية مصادر القاعدة القانونية     خصائص القاعدة القانونية   ·                     القاعدة القانونية قاعدة سلوك اجتماعية. ·                     القاعدة القانونية عامة مجردة. ·                     القاعدة القانونية تنظم العلاقة ما بين روابط المجتمع. ·                     ...