Skip to main content

"عشرنة" الدولة وضرورة التأسيس لدولة يحكمها القانون

"عشرنة" الدولة وضرورة التأسيس لدولة يحكمها القانون:

(دراسة في العلاقة ما بين الدولة والعشيرة)**

د. محمد عدنان علي الزبر*

 العراق ولحسن حضنا وسوء حظه، بلد غرس الله فيه التنوع فكان نتاجه الاختلاف، إن المجتمع العراقي والمؤسسات التي تحكمه قد شاء لها القدر أن تكون غير متفقة وبروز احدها يعني إضعاف الأخرى واعني بالمؤسسات هي كل من (الدولة)، و(الدين)، و(العشيرة)، فكل من تلك المؤسسات الثلاث  قائمة على أساس مختلف عن الأخر في طرحها وفكرها ونظرتها إلى الفرد كجزء في المجتمع وعلاقته بأخيه الفرد.
الدولة:
فالدولة والتي يكون لها الصدارة في تنظيم علاقات أفرادها لما لها من استئثار في إصدار القوانين من قبل جهة مختصة يحددها دستورها والتي تدعى بالسلطة التشريعية, فضلا عن تنفيذ تلك القوانين من خلال سلطة عادة ما تكون منفصلة عن السلطة التي أصدرت القوانين وتسمى بالسلطة التنفيذية  وأخيرا سلطة تناط  بها مهمة الفصل في المنازعات الحاصلة ما بين الأفراد أو ما بين الأفراد والسلطة التنفيذية عندما تمارس اختصاصا كجهة إدارية، ومن تمارس هذه المهمة هي السلطة القضائية ومن خلال تلك السلطات الثلاث تمارس الدولة سلطتها على أفرادها.
العشيرة:
أما العشيرة كمؤسسة لها هي الأخرى قانونها التي تنظم علاقات أفرادها وهي قواعد عرفية اعتاد افرادها على اتباعها واعتقدوا بإلزاميتها ويسمى قانون كل عشيرة ب(السانية أو السنينة)، وتُقابل البشعة في مصر، فالسانية أو السنينة هي من تنظم علاقات أفراد العشيرة بعضهم ببعض وهي عندما تنظم لهم تلك العلاقة  تستغني بذلك عن القانون ضاربة بنصوصه عرض الجدار غافلة أو متغافلة نصوص دستور أفرادها والمنظمة لسلطات دولتهم, متهاونة (السانية أو السنينة) بمخالفتها له وكأن شيئا لم يكن!!.
ولعل ابسط مثال على ذلك ما ذهبت إليه المادة (19/ثانيا) من الدستور العراقي الدائم لسنة 2005 والتي أشارت الى انه لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص (قانوني)، والمادة 1 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل، وامام هذه النصوص الصريحة نجد إن لكل (سانية) عشائرية جرائم تنظمها وترتب على ارتكابها عقوبات حتى وان لم يجرمها القانون، حتى يجد الفرد بأنه أمام أفعال أباحها القانون وجرمتها الأعراف العشائرية، وعقوبات لم يألفها القانون فُرضت عليهم بموجب الاعراف العشائرية (كالجلوة)، والتي يُقصد بها مغادرة الجاني "عشائريا" وعائلته مدينتهم أو قريتهم والانتقال الى مكان آخر لفترة من الزمن أو طيلة حياتهم كعقوبة تُضاف الى مجموعة عقوبات اخرى، وهي ما تتعارض صراحة مع شخصية العقوبة التي أكدها الدستور والاتفاقيات المعنية بحقوق الانسان ناهيك عن قانون العقوبات العراقي، وغيرها من العقوبات العُرفية التي لا تنسجم مع مبادئ القانون.
وهنا يُثار التساؤل التالي: لماذا يستعين الافراد بالعشيرة ولا يستعينوا بالدولة على اختلاف مؤسساتها؟: للإجابة عن ذلك نقول ان غياب الثقافة القانونية الواعية والشعور بالانتماء للدولة، وضعف سلطات الدولة ودورها في تنظيم علاقات أفراده، قد جعل من افراد المجتمع يلجئ إلى المؤسسات الأخرى (غير مؤسسة الدولة) لأن الدولة نفسها عجزت عن تلبية متطلباتهم وحمايتهم، نظرا للتأخر في إصدار التشريعات التي تتعلق بمصلحة مواطنيها، والفساد الاداري الذي يدفع المعنيين بتطبيق القانون أنفسهم من يتهاونون في تطبيقه والتحايل على القوانين ومخالفتها، والتأخر في تحقيق العدالة من قبل القضاء، وسيادة الفوضى وغياب القانون.
مما ادى ذلك الى تراجع دور الدولة امام العشيرة وحل العلاقات محل المؤسسات في المجتمع لتُناط بالعشيرة مهمة حل المنازعات التي تحدث ما بين افراد المجتمع، وتجريم افعالا مباحة واباحة افعال جرمها القانون والتهاون بها مما انعكس ذلك سلبا على المجتمع وانتج فيه الازدواجية عند التعامل.
ما دفع عدد من المختصين في القانون بالدعوة لنشر ثقافة القانون ليسود وتسود معه الدولة، وهنا يُثار التساؤل المهم ماهي الثقافة التي ينبغي ان نقوم بنشرها؟!، هل نقوم بشرح نصوص قانونية قائمة كما يحصل الان، أم نقوم بمعالجة الظواهر الاجتماعية بأسلوب تفهمه كافة شرائح المجتمع العراقي وبمنهج قانوني، بتصور المتحدث ان ذلك هو ما ينبغي أن يحصل بالفعل فالثقافة لا تعني قيامنا بشرح نصوص قانونية وبأسلوب لم يعتاد على فهمه من لم يتخصص بدراسة القانون، وانما ينبغي دراسة الظواهر الاجتماعية بأسلوب بعيد عن الجانب الفني وقريب من ثقافة المجتمع، مع الاشارة أخيرا الى ان نشر الثقافة القانونية والدعوة الى تغليب قانون الدولة على باقي قواعد السلوك الاجتماعية لا يعني التغافل عن ما لهذه القوة الاجتماعية من تأثير وبذلك ينبغي أن نجد الية يمكن من خلالها صهر تلك القوى في ماهية الدولة وهو ما تناولناه في مقالنا (التحكيم العشائري والتأسيس لدولة مدنية) في جريدة الزمان والمتوفر كذلك على الرابط التالي: 

 https://mohammedalzeber.blogspot.com/2018/08/blog-post_14.html

وماسنعالجه في مقالاتنا القادمة اذا شاء الله وكان في العمر بقية.

 للمزيد يُنظر الندوة القانونية التالية





** مقال نُشرت عام 2012.

Comments

Popular posts from this blog

القدم الوظيفي المترتب عن الشكر والتقدير

                                        هل يترتب على الشكر والتقدير الصادر عن السيد رئيس مجلس الوزراء قدم لستة اشهر؟!   م.د. محمد عدنان علي تدريسي ومدير قسم الشؤون الادارية والمالية في جامعة جابر بن حيان للعلوم الطبية والصيدلانية                       لمقتضيات الوقوف على سياق اداري وقانوني سليم وحماية للمراكز القانونية للموظفين في احتساب مدد القدم نتيجة الشكر والتقدير الممنوح من قبل السيد رئيس مجلس الوزراء والسيد وزير التعليم العالي والبحث العلمي والسيد رئيس الجامعة نسطر ملاحظاتنا القانونية التالية: أولا: جاء في كتاب امانة مجلس الوزراء ذي العدد ق/ 2/ 5/ 27 / 07647 في 11/ 3/ 2020 ، إجابة عن عدد من التساؤلات: (ان الشكر الموجه من قبل السيد رئيس الوزراء يرتب قدما لمدة ستة اشهر)، وهو رأي قانوني غير سليم لم يتوفر فيه سندا   قانونيا   سوى قرار مجلس قيادة المنحل رقم 155 لسنة 2000 والذي جاء نصه : ( يرتب الشكر والتقدير الموجه من رئيس الجمهورية الى أي منتسب في الدولة قدما لمدة ستة اشهر لأغراض الترقية والترفيع والعلاوة وتغيير العنوان الوظيفي ولمدة سنة واحدة للأغراض نفسها في حال تكراره .

تعريف القاعدة القانونية وخصائصها.. عناصرها.. مصادرها

    د. محمد عدنان علي القاعدة القانونية قاعدة سلوك اجتماعية تنظم العلاقة ما بين الأشخاص  ملزمة ومقترنة بجزاء تفرض على من يخالفها من قبل السلطة العامة. القاعدة القانونية   خصائص القاعدة القانونية عناصر القاعدة القانونية مصادر القاعدة القانونية     خصائص القاعدة القانونية   ·                     القاعدة القانونية قاعدة سلوك اجتماعية. ·                     القاعدة القانونية عامة مجردة. ·                     القاعدة القانونية تنظم العلاقة ما بين روابط المجتمع. ·                     القاعدة القانونية ملزمة ومقترنة بجزاء تفرض على من يخالفها.   عناصر القاعدة القانونية : ·                      الفرض. ·                      الحكم.             مصادر القاعدة القانونية ·                      المصادر الرسمية أو الشكلية للقانون العراقي. ‌أ-                     التشريع. ‌ب-                 العرف. ‌ج-                   مبادئ الشريعة الاسلامية. ‌

عدد من أسئلة مادة المدخل لدراسة القانون المعنية بموضوع التشريع

(التشريع كمصدر من مصادر القانون)   د. محمد عدنان علي الزبر ملاحظات: ·        هذه الاسئلة تتعلق فقط بموضوع التشريع كمصدر من مصادر القانون. ·        هذه الاسئلة الغاية منها تسهيل الدراسة على الطالب فحسب ولا يُشترط ان يكون نمط الاسئلة الفصلية بذات الطريقة. ·        ينبغي قراءة الاجابة على تلك الاسئلة بتركيز لان فيها احكام قانونية مهمة. س1: هنالك ما يُعرف بالمصدر التاريخي، المصدر المادي، المصدر التفسيري واخيرا المصدر الرسمي للقانون. وضح كل منهما وأيا منهما يرتبط بالمشرع عند صياغة النص القانوني وايهما يرتبط بالقاضي عند تطبيقه. س2: عدد من حيث الاولوية المصادر الرسمية للقانون المدني العراقي. س3: عدد من حيث الاولوية المصادر الرسمية لقانون الاحوال الشخصية العراقي. س4: عدد من حيث الأولوية المصادر الرسمية للقانون الدستوري. س5: ما هو المصدر الرسمي لقانون العقوبات. س6: هل يعد العرف أو الدين مصدر من مصادر قانون العقوبات، ناقش ذلك. س7: حدد المعنى الاصطلاحي للتشريع. س8: للتشريع معنى واسع واخر ضيق، ناقش ذلك. س9: ماهي خصائص التشريع. س10: ماهي مزايا التشريع.؟ س11: