تحديد مفهوم
استقلالية مفوضية الانتخابات*
(بين
الاستقلالية والجهات غير المرتبطة بوزارة)
د. محمد عدنان علي الزبر*
نصت المادة
(102) من دستور 2005 على انه ( تعد المفوضية العليا لحقوق الانسان والمفوضية
العليا المستقلة للانتخابات وهيئة النزاهة هيئات مستقلة تخضع لرقابة مجلس النواب
وتظم اعمالها بقانون ) واستجابة لإحالة المشرع الدستوري بشأن تشكيل وعمل مفوضية
الانتخابات الى تشريع عادي صدر قانون المفوضية العليا المستقلة للانتخابات رقم 11
لسنة 2007 والذي قضى في المادة الثانية منه على انه ( المفوضية العليا المستقلة
للانتخابات هيئة مهنية حكومية مستقلة ومحايدة تتمتع بالشخصية المعنوية وتخضع
لرقابة مجلس النواب ).
ومع حرص المشرع
على تحييد المفوضية وترصين استقلالها عن السلطات الثلاث، فانه قد وقع في تناقض
مبين عندما أردفها بوصف ( حكومية )، اذ لا يمكن التسليم بخضوع مفوضية الانتخابات
للحكومة ( السلطة التنفيذية) لتناقضه مع فكرة الاستقلال، كما تخرج أعمالها من
طائفة الأعمال الحكومية انسجاماً مع الاستقلال الذي أراده أن يكون لها في الدستور.
وعلى الرغم مما تقدم نتساءل عن موقف المحكمة الاتحادية
من استقلالية المفوضية المعنية بالانتخابات، فضلا عن موقف الاوساط الاكاديمية
واخيرا موقف المفوضية ذاتها وذلك تباعا.
أولا: رأي المحكمة
الاتحادية العليا باستقلال مفوضية الانتخابات:
صدر عن المحكمة عددت
قرارات بشأن استقلالية الهيئات المستقلة لاسيما المعنية بالمفوضية العليا
للانتخابات.
القرار
رقم 228: يستفاد من قرار
المحكمة الاتحادية العليا المرقم ( 228 / ت/ 2006)، الأحكام الآتية:
1-
إن الاستقلال المقصود للهيئات المستقلة التي لم
يُحدد الدستور جهة ارتباطها هو غير الاستقلال المالي والإداري التي تتمتع به أشخاص
القانون العام لأخرى، فهو يعني أن الهيئة تُدير نفسها بنفسها ووفقاً لقانونها
لتمكينها من أداء مهامها دون تدخل من إحدى الجهات، وأن منتسبي الهيئة وكلاً حسب
اختصاصه مستقلون في أداء مهامهم المنصوص عليها في قانون الهيئة لا سلطان عليهم في
أداء هذه المهام لغير القانون.
2-
إن الارتباط
الذي ترتبط به بعض الهيئات المستقلة بمجلس النواب وفق نصوص وظيفي بمعنى أنها تُدير
نفسها بنفسها ووفقاً لقانونها لتمكينها من أداء مهامها دون تدخل من إحدى الجهات،
ولا تكون خاضعة للمجلس من ناحية تعيين الموظفين، وخضوع أولئك الموظفين لسلطة
رؤسائهم مباشرة دون سواهم، منتسبو الهيئة وكلاً حسب اختصاصه مستقلون في أداء
مهامهم المنصوص عليها في
قانون الهيئة لا سلطان عليهم في أداء هذه المهام لغير
القانون ولا يجوز لأية جهة التدخل أو التأثير على أداء الهيئة لمهامها، فالارتباط
المذكور لا يعني أن تكون الهيئات جزءاً من مجلس النواب ولا أن يكون موظفوها جزءاً
من موظفي مجلس النواب، لأنه ارتباط وظيفي وليس ارتباط عضوي، وليس لمجلس النواب ممارسة
السلطة الرئاسية على الهيئات المستقلة.
3-
إن الهيئات المستقلة تخضع لرقابة مجلس النواب في
أداء مهامها.
4-
إن مجلس النواب
هو الجهة الوحيدة التي تملك محاسبة الهيئات المستقلة إذا ما حادت عن مهامها أو تجاوزتها،
ويتخذ الإجراء المناسب في ذلك.
5-
تتميز الهيئات
المستقلة بأنها تتمتع بنوع من الاستقلال في مباشرتها لنشاطها ناشئ عن تمتعها بالشخصية
المعنوية، وهذا الاستقلال يتمثل في الاستقلال المالي والإداري والفني، ويقصد
بالاستقلال المالي أن تكون للهيئة حسابات مستقلة ومي ا زنية مستقلة، ويقصد
بالاستقلال الإداري أن تكون للهيئة
سلطة ذاتية في مباشرة اختصاصاتها، أما الاستقلال الفني
فيقصد به أن تكون للهيئة الحق في أن تتبع الأساليب الفنية الملائمة لنشاطها.
القرار
رقم 88: في قراراها
المرقم 88/ ت/ 2010 ، المحكمة الاتحادية العليا تضع الهيئات المستقلة ومنها مفوضية
الانتخابات ضمن المفاهيم التالية :
1.
ان الهيئات
المستقلة لا تمت بصلة للسلطات الثلاثة .
2.
ان هذه الهيئات
تخضع للسياسة العامة للدولة التي رسمها مجلس الوزراء وتقع تحت رقابة مجلس النواب
شأنها شأن الأجهزة التنفيذية الأخرى .
3.
ان آية خضوعها
الى السياسة العامة للدولة هو انضوائها تحت مصطلح الهيئات غير المرتبطة بوزارة
الوارد في المادة (80/اولاً) من الدستور .
ان معنى الاستقلال اللصيق بهذه الهيئات هو الاستقلال
المالي والإداري .
رأي
المحكمة في التوفيق ما بين القرارين:
من
خلال استعراض رأي المحكمة المعنون لمجلس النواب والاستفسار حول القرار المفسر رقم
88/ ت/ 2010، وما اذا كان يخالف القرار المفسر رقم 228/ 2006/، اجابت المحكمة بما
مفاده:
1-
ترى المحكمة ان القرار رقم 88/ ت/ 2010، المؤرخ
في 18/ 1/ 2011، لم يكن مختلفا في مضامينه عن القرار الذي اصدرته المحكمة رقم 228/
ت/ 2006، في 9/ 6/ 2006 ونفس المضمون والاختلاف يقتصر فقط في التعابير.
2-
تشير المحكمة ان الاشراف لا يخل باستقلالية عمل الهيئات
المستقلة من النواحي المهنية والادارية والمالية.
من خلال ما تقدم نجد استعراض حكمي المحكمة
الاتحادية 228/ ت/ 2006 و 88/ ت/ 2010، والقرار رقم 21/ ت/ 2011 في 1/ 3/ 2011،
نخلص الى الملاحظات التالية:
على
خلاف ما ذهبت اليه المحكمة الاتحادية في رأيها المرقم 21/ ت/ 2011، لم يكن هنالك
تعارض في موقفها المفسر للهيئات المستقلة نجدها في الاول تؤكد على استقلاليتها
(الادارية والمالية والفنية)[1]، وعدم خضوعها لغير القانون نجدها في القرار
الثاني المفسر تحصر الاستقلالية والمالية، لتعود في رأيها المرسل لمجلس النواب
المرقم 21/ت/ 2011، لتؤكد على استقلاليتها المالية والادارية والمهنية،
وليت شعرنا ما المقصود بالمهنية هل هي الاستقلال الفني أم لها معنى اخر؟!
ثانيا: موقف
الاوساط الاكاديمية من استقلالية مفوضية الانتخابات وتفسير المحكمة الاتحادية
للاستقلالية:
1-
الهيئات
المستقلة مستقلة طبقا لطبيعتها: يرى استاذنا الدكتور عدنان عاجل بان المحكمة الاتحادية
العليا بهذه المفاهيم قد وقعت في الغموض وعدم الدقة ودليله في ذلك:
أ.
لقد خلطت
المحكمة بين الهيئات المستقلة وهي جهات تمارس مهام حساسة وخطيرة اراد المشرع لها
ان تستقل عن السلطات الثلاث، وبين الدوائر غير المرتبطة بوزارة وهي دوائر تنفيذية
تخضع للسلطة التنفيذية يرأسها مدير بدرجة وزير[2]. وكان الأجدر
بالمحكمة ان تقدم تبرير آخر غير نص المادة (80/اولاً) وهو نص المادة (61/ثامناً/ه)
من الدستور الذي قضى بأن ( لمجلس النواب ، حق استجواب مسؤولي الهيئات المستقلة
وفقاً للإجراءات المتعلقة بالوزراء وله إعفاؤهم بالأغلبية المطلقة ) وبهذا يصرح
المشرع بخضوعها لرقابة مجلس النواب شأنها شأن الوزارات الاخرى .
ب.
رأت المحكمة
بأن الاستقلال هو الاستقلال المالي والاداري ولا نعتقد ان الضالة في ذلك
فالاستقلال المالي يعني صرف نفقات هذه الهيئات من موازنة الدولة وتحت ابواب منفصلة
. اما الاستقلال الاداري هو وجود نظام قانوني خاص بموظفي تلكم الهيئات يختلف عن
سائر الموظفين . وفي كلاً النوعين لا يتحقق المعنى المنشود . فالمعنى الحقيقي
للاستقلال والذي ابتغاه المشرع في الدستور والذي لم يفلح كلاً من القضاء والفقه الدستوري
في الكشف عنه هو ( الاستقلال الفني ) اي عدم امكانية السلطات الاخرى بالتدخل في
عمل الهيئات المستقلة وبضمنها مفوضية الانتخابات . فلا تملك التدخل في انسيابيته
وتغيير مجراه بعيداً عن الاحكام القانونية والاصول التي تحكم عملها ، فالاستقلال
المالي والاداري تحصيل حاصل لأية جهة تمتع بالشخصية المعنوية سواء كانت وزارة او
جهة غير مرتبطة بوزارة او هيئة مستقلة ولا تفرد به الهيئات المستقلة الا ان ما
يميزها الاستقلال الفني في عملها حسب[3] .
وجاء تأكيد ما تقدم من قبل استاذنا الدكتور علي
الشكري بقوله: لنا ان نتساءل أليست المفوضية العليا لحقوق الانسان والهيئة
المستقلة للانتخابات وهيأة النزاهة تمارس عملها في مواجهة الحكومة او الرقابة
عليها؟ وهي كذلك فكيف اذن ترتبط اداريا بها، وكان قرار المحكمة اتجه لإخضاع الرئيس
لرقابة المرؤوس أو خضوع الجهة الرقابية لإشراف الجهة الادارية! وفي هذا مخالفة
للمنطق وأصل الغاية من انشاء الجهات الرقابية[4].
2-
الهيئات
المستقلة باعتبارها جهات غير مرتبطة بوزارة:
ذهبت
الدكتورة في بحثها الموسوم "مفهوم الاستقلال والهيئات المستقلة في دستور
2005" الى رأي مفاده ان الهيئات المستقلة تعد جزء من الهيكل الاداري للدولة
يحتاج بسبب طبيعة اعماله ان يتمتع بمزيد من الاستقلال الاداري ازاء الاجهزة
الحكومية التقليدية، وانها لا تعدو ان تكون الشكل الحديث للجهات غير المرتبطة
بوزارة مع شئ من الاستقلال اكثر مرونة من الاخيرة فاختلاف تلك الهيئات عن الجهات
غير المرتبطة بوزارة لا يعدو ان يكون اختلاف في المسميات وحسب، واخضاع بعض تلك
الهيئات لرقابة مجلس النواب هو امر محسوم لأنه يدخل ضمن اختصاصات المجلس في الرقابة
على اداء السلطة التنفيذية[5].
ورأي الدكتورة
قد جاء بالاستناد الى رأي الاستاذ الدكتور زهير الحسني في مقال منشور له والذي
اضاف: "وبما انه لا يمكن لأي جهاز تنفيذي ان يبقى قائما في الفراغ دون
الارتباط بهيكل السلطة التنفيذية ... لابد ان يرتبط بمجلس الوزراء باعتبار الاخير
مسؤول عن رسم وتنفيذ السياسة العامة للدولة"[6].
ثالثا: موقف المفوضية
العليا للانتخابات:
ناقش المجلس
حيثيات قرار المحكمة الاتحادية رقم 88/اتحادية/2011 في 18/1/2011 الخاص بارتباط
الهيئات المستقلة بمجلس الوزراء من حيث الناحية القانونية والفنية والتجارب
الدولية وجاء فيه:
1-
رأيها
في الاستقلال الفني:
أ.
ان
الاستقلالية التي أرادها المشرع لمفوضية الانتخابات تضمن امتلاك المفوضية صلاحيات
القرار الإداري والمالي والفني ضمن الإطار القانوني الذي يحكم مؤسسات الدولة حيث
ان جميع قرارات المفوضية الإدارية والمالية تعتمد على القوانين ذات الصلة في
الجوانب الإدارية والمالية في حين تستند المفوضية على قانون الانتخابات وقرارات
الهيئة القضائية الانتخابية في قراراتها الفنية الى جانب استنادها على المعايير
والتجارب الدولية في مجال الانتخابات.
ب.
ان تدخل
أي جهة في قرارات المفوضية المالية والإدارية سينعكس و بلا شك على القرار الفني وعلى
سياسة المفوضية في إدارة وتنظيم العملية الانتخابية مما يؤثر على شرعية ومصداقية
الانتخابات, ناهيك اذا كان التدخل يتعلق بالجوانب الفنية وبصورة مباشرة.
ج.
إنّ تدخل أي جهة في قرارات المفوضية قد يؤدي إلى
دخول عملها في بيروقراطية الإدارة وهو ما لا ينسجم مع طريقة إدارة الانتخابات
والتي تتضمن الالتزام بمواعيد محددة لفعالياتها غير قابلة للتأخير أو التأجيل.
د.
إنّ القرارات
والأنظمة والتعليمات والإجراءات التي تصدر من مفوضية الانتخابات تشمل جميع أطراف
العملية الانتخابية وبالتالي فليس من الصحيح ربط المفوضية مع الحكومة والتي يمثل
أعضائها أطرافاً للعملية الانتخابية.
ه.
ان مفهوم
الاستقلالية يشير الى سلطة المفوضية في ممارسة اختصاصها بتجرد وحرية تامة. إلا إنّ
هذا لا يعني مطلقا عملها خارج المنظومة القانونية وعدم خضوعها للرقابة والإشراف
حيث تخضع المفوضية الى الاتي :-
* تطبق المفوضية النظام المحاسبي الحكومي
اللامركزي وتخضع لجميع القوانين والتعليمات الصادرة من السلطة التشريعية أو
التنفيذية (مجلس الوزراء, وزارة المالية, وزارة التخطيط, البنك المركزي) فضلا عن
خضوع جميع معاملاتها المالية الى التدقيق ورقابة ديوان الرقابة المالية الذي يصدر وبشكل
دوري تقارير تضمن ملاحظاته التدقيقية حول السلوك المالي للمفوضية.
** إنّ
المفوضية على تنسيق فعال ومستمر مع هيئة النزاهة باعتبارها إحدى الجهات الرقابية
على مؤسسات الدولة من الناحية المالية والإدارية حيث إنّ المفوضية تتعامل مع
القضايا التحقيقية الواردة من هيئة النزاهة وبشكل مستمر.
*** تخضع المفوضية شأنها شان باقي
مؤسسات الدولة إلى المنظومة القانونية الإدارية التي تعمل بها مؤسسات الدولة
العراقية وهي قانون الخدمة المدنية وقانون الملاك وقانون انضباط موظفي الدولة.
****كفل القانون
والمعايير الدولية خضوع مراحل العملية الانتخابية كافة لمراقبي منظمات المجتمع
المدني ووكلاء الكيانات السياسية فضلا عن مراقبة المنظمات الدولية ويقف في مقدمتها
الأمم المتحدة..
*****
ضمن القانون للأطراف المتضررة من قرارات مجلس المفوضين حق استئنافها أمام
الهيئة القضائية للانتخابات والمشكلة في محكمة التمييز, والتي تصدر قرارات باتة لا
يجوز الطعن بها بأي شكل من الأشكال.. الى جانب التزامها بالقرارات الصادرة من
المحاكم العراقية بمختلف درجاتها فيما يتعلق بالقضايا الأخرى.
******وفقا
للدستور وقانون المفوضية فأن المفوضية خاضعة لسلطة مجلس النواب في استجواب
المؤسسات الحكومية الى جانب صلاحية مجلس النواب بإقالة مجلس المفوضين جزءا أو كلا
إذا ما ثبت مخالفته لأحكام القانون.
2-
التجارب
الدولية في استقلالية المفوضيات طبقا لرأي المفوضية:
ترى المفوضية المستقلة للانتخابات بان المنظمات الدولية لمفوضيات
الانتخابات في العالم تصنف الى ثلاثة انواع هي:
-
المستقلة
-
الحكومية
-
المختلطة
ويلعب الوضع السياسي ومدى رسوخ التجربة الديمقراطية والثقافة السياسية
دوراً مهماً في اختيار احد هذه الانواع . اذ تتجه معظم الدول ذات الديمقراطيات
الناشئة الى خيار استقلالية المفوضيات الانتخابية . حيث تبين من خلال استبيان
اجرته احدى المنظمات الدولية عام 2006 في (214) دولة حول العالم وبينت النتائج ان
(117) دولة تتبع النموذج المستقل في حين ان هناك (32) دولة تتبع النموذج المختلط
و(55) دولة تتبع النموذج الحكومي للإدارة الانتخابية .
وحسب التجربة الدولية في استقلالية المفوضيات الانتخابية ، فان مبادئ
اعتبار المفوضيات الانتخابية مستقلة تتضمن الاتي :
1-
تكون
المفوضيات الانتخابية مستقلة تنظيمياً عن السلطة التنفيذية الا انها مسؤولة امام
السلطة التشريعية والقضاء .
2-
تتألف من
اعضاء لا يتبعون الحكومة اثناء عملهم .
3-
تمتلك وتدير
ميزانيتها الخاصة باستقلال تام عن المتابعة اليومية من قبل السلطة التنفيذية.
4-
تتمتع
بصلاحيات رسم السياسات وتنفيذها واتخاذ القرارات بشكل مستقل ومهني ضمن الاطار
القانوني العام .
5-
تتمتع
باستقلال تام في تحديد احتياجاتها الوظيفية من ناحية العدد والتعيين والتعامل معهم
مع مراعاة القوانين العامة ذات الصلة .
ان
المبادئ الدولية لاعتبار المفوضيات مستقلة تنطبق وبشكل واضح على مفوضية الانتخابات
ووفق ما نص عليه قانونها رقم (11) لسنة 2007 المعدل ، اذ راعى هذا القانون في
مواده توفير ما يضمن استقلالية المفوضية .
وفي سياق التجارب الدولية في انشاء المفوضيات الانتخابية المستقلة فان هناك
اتجاه دولي يذهب الى توسيع صلاحيات المؤسسات الانتخابية وفك ارتباطها مع السلطات
الاخرى الى درجة تصل الى اسناد القضاء الانتخابي الى تلك المفوضيات وتوفير الحصانة
القانونية لاعضاءها كما هو الحال في اغلب دول العالم .
* باحث قانوني:
[1]
ويقصد
بالاستقلال المالي أن تكون للهيئة حسابات مستقلة وميزانية مستقلة، ويقصد بالاستقلال
الإداري أن تكون للهيئة سلطة ذاتية في مباشرة اختصاصاتها، أما الاستقلال
الفني فيقصد به أن تكون للهيئة الحق في أن تتبع الأساليب الفنية الملائمة
لنشاطها.
20
/أولاً( من الدستور أمر يجانب الدقة للأسباب الآتية:-
1-
لم تقدم
المحكمة الاتحادية الدليل على الادعاء المذكور، وعلى الرغم من ذلك أسست قرارها على
مجرد ادعاء يفتقر إلى أي دليل من نصوص الدستور، وبالتالي فإن عملها هذا يُعتبر
مصادرة على المطلوب، ومخالف للمنهج العلمي والأساليب المنطقية المعتمدة في تسبيب
القرارات، وكان الأحرى بها تقديم الدليل على صحة ادعائها باعتبار الهيئات المستقلة
من الجهات غير المرتبطة بوزارة، ثم ذكر النتائج المترتبة على ذلك لاحقاً.
2-
إن النظام
القانوني العراقي يقوم على اعتبار الجهات غير المرتبطة بوزارة مناظرة للوزارات
بدليل ورود -عبارة " الجهات غير المرتبطة بوزارة " عقب عبارة "
الوزارات" في أغلب التشريعات النافذة وكذلك سار الدستور على نفس المنوال في
نص المادة (20 /أولاً منه).
3-
إن الأحكام السارية على الوزارات هي ذات الأحكام
المطبقة على الجهات غير المرتبطة بوزارة وفقاً -للتنظيم التشريعي في العراق فهي
أحد اجزاء السلطة التنفيذية.
4-
إن ما ذهبت إليه المحكمة الاتحادية العليا
يتعارض ونصوص الدستور نفسها إذ لو كان قصد المشرع -اعتبار الهيئات المستقلة بحكم
الجهات غير المرتبطة بوزارة لما أورد المشرع الدستوري نص المادة 61(/ سابعا ه) على
النحو الآتي: لمجلس النواب، حق استجواب مسؤولي الهيئات المستقلة وفقاً للإجراءات
المتعلقة بالوزراء، وله إعفاؤهم بالأغلبية المطلقة(، إذ إن المشرع الدستوري ولوعيه
وادراكه بأن رؤساء الجهات غير المرتبطة بوزارة هم بدرجة وزير ولأن لتلك الجهات نفس
أحكام الوزارات لم يورد نصاً خاصاً بمساءلة رؤساء الجهات غير المرتبطة بوزارة
اكتفاءً منه بالنصوص الخاصة بالوزراء، على حين أنه أورد نص المادة (61 / سابعاً ه)
المتعلق باستجواب مسئولي الهيئات المستقلة، لمعرفته المسبقة باختلاف تلك الهيئات عن الوزارات والجهات غير المرتبطة
بوزارة، وهو يدل وبوضوح على كونها ليست جزء اً من السلطة التنفيذية.
5-
إن ما يدلل على خطأ هذا التوجه الذي انتهجته
المحكمة في قرارها المذكور، ما أورده الدستور من
ارتباط
دواوين الأوقاف ومؤسسة الشهداء بمجلس الوزراء، إذ لو كانت تلك الهيئات (جهات غير
مرتبطة بوزارة) لكانت إحدى الجهات التنفيذية التي لا يحتاج ارتباطها بمجلس الوزراء
إلى نص، لإنها ستكون مرتبطة به تلقائياً.
6-
إن الاستناد في ربط الهيئات المستقلة بمجلس
الوزراء وكونه مرجعيتها إلى حجة وقوع الهيئات - المستقلة ضمن هيكل الدولة وأدائها
مهام تنفيذية وعدم ارتباطها بوزارة مردود، إذ أنه وبالقياس على الحجة المذكورة
تكون المحكمة الاتحادية العليا نفسها وكذلك مجلس القضاء الأعلى من الجهات غير
المرتبطة بوزارة وبالتالي فهما يخضعان لرقابة واشراف مجلس الوزراء لوقوعهما ضمن
هيكل الدولة وأدائهما بعض الأعمال التنفيذية وعدم ارتباطهما بوزارة، فهل تقبل
المحكمة الاتحادية العليا بمثل هذه النتائج!!.
[3] يذهب الى هذا
الرأي الكثير من الاساتذة والباحثين القانونيين من امثلتهم الباحث محمد يوسف
السعدي: في ورقة عمله المقدمة ورشة العمل المقامة من قبل مجلس النواب تحت عنوان: "الهيئات
المستقلة بين الاستقلالية الدستورية والتبعية القانونية".
[4] الاستاذ الدكتور علي يوسف الشكري: المحكمة الاتحادية العليا في
العراق بين عهدين، ص287.
[5] يذهب الى هذا
الرأي كذلك الاستاذ فارس عبد الرحيم حاتم في بحثه الموسوم: "طبيعة الهيئات
المستقلة في ظل الدستور العراقي 2005" منشور في مجلة كلية الدراسات الإنسانية
الجامعة/ النجف الأشرف، العدد 3 سنة 2013.
اذا كانت هناك معلومات اضافية يريد القارئ الكريم اضافتها او تعديلها فذلك يسعد الباحث لتعم الفائدة على الجميع.
ReplyDelete