فتوى مشروعية التهديد بالأسلحة النووية أو
استخدامها عام 1996
اعداد:
سيتم استعراض الفتوى في ثلاثة مباحث، الاول سنتناول فيه موقف المحكمة من ولايتها للنظر في الفتوى وصياغة السؤال المطروح عليها، في حين خصصنا المبحث الثاني لمناقشة القانون واجب التطبيق على الفتوى فضلا عن خصائص الاسلحة النووية ليكون المبحث الثالث محلا لمناقشة مشروعية التهديد او استخدام الاسلحة النووية في صدد القانون الدولي على اختلاف مصادره.
المبحث الاول
ولاية المحكمة ومناقشة السؤال المعني بالفتوى
المطلب الاول
ولاية المحكمة في اصدار الفتوى
تناولت محكمة العدل الدولية في فتواها الموسومة
"مشروعية التهديد بالأسلحة النووية او استخدامها"، في الفقرات (10 - 19)،
استهلت المحكمة في الفقرة العاشرة من الفتوى قولها انه يتعين
عليها ان تنظر اولا فيما اذا كانت لديها الولاية لان تستجيب لطلب الجمعية العامة
في اصدار الفتوى وكان جوابها بالإيجاب (اي حصول الموافقة) وان المحكمة تستمد
اختصاصها فيما يتعلق بالفتاوي من الفقرة 1 من المادة 65 من نظامها الاساسي.
في حين تساءلت المحكمة في الفقرة 11 من الفتوى عن
مدى اختصاص الجهة طالبت الفتوى في طلبها (الجمعية العامة ) وجاء جواب المحكمة
العدل الدولية بأنها (الجمعية العامة) تستمد اختصاصها في طلب الفتوى من ميثاق
الامم المتحدة في الفقرة 1 من المادة 96.
وترى المحكمة ان المادة 10 من الميثاق قد اعطت الجمعية
العامة الاختصاص بشان اي مسالة او امر يدخل في نطاق الميثاق واعطتها المادة 11 على
وجه التحديد الاختصاص في "ان تنظر في المبادئ العامة ... في حفظ السلم والامن
الدوليين ويدخل في ذلك المبادئ المتعلقة بنزع السلاح وتنظيم التسلح"؛ واخير
فان على الجمعية العامة وفقا للمادة 13 ان تنشئ دراسات وتشير بتوصيات بقصد ...
تشجيع التطوير التدريجي للقانون الدولي وتدوينه.
وبذلك تؤكد المحكمة في الفقرة 12 من الفتوى
باختصاص الجمعية العامة بطلب الفتوى بقولها ان المسالة المعروضة على المحكمة لها
صلة بكثير من جوانب انشطة الجمعية العامة ومواضيع اهتمامها بما في ذلك التهديد
باستعمال القوة في العلاقات الدولية وعملية نزع السلاح والتطوير التدريجي للقانون
الدولي.
اما الفقرة 13 من الفتوى فان المحكمة تؤكد فيها على قانونية المسالة المعروضة
عليها ذلك ان الفتوى المراد اصدارها تتعلق بما اذا كان استخدام الاسلحة النووية
يتمشى مع مبادئ القانون الدولي وقواعده ذات الصلة ولكي تفعل المحكمة ذلك يتعين
عليها تحديد المبادئ والقواعد السارية وتفسيرها وتطبيقها على التهديد بالأسلحة
النووية او استخدامها وبذا تعطي الاجابة على المسالة المعروضة استنادا الى
القانون.
اما القول بان مسالة التهديد بالأسلحة النووية او
استخدامها لها ابعاد سياسية فان ذلك شانه شان كثير من المسائل التي تثار في الحياة
الدولية، وبالتالي فان ذلك لا يجرد المسالة من طابعها القانوني.
اما الفقرة 14 من الفتوى فقد جاء فيها: لقد كانت المحكمة دوما على بينة من
مسؤوليتها بوصفها "الاداة القضائية الرئيسية للأمم المتحدة (الميثاق الفقرة
92) وهي عندما تنظر في كل طلب تعي انه لا ينبغي لها من حيث المبدأ ان ترفض اعطاء
الفتوى الا اذا كانت هناك اسباب قاهرة.
بعدها تكلمت المحكمة في الفقرة 15 من الفتوى عن
ان بعض الدول جاء في دفعها ان المسالة المعروضة على المحكمة غامضة ونظرية، تعني
انه لا يوجد نزاع محدد بشأن موضوع المسالة، وكان جواب المحكمة ان من الضروري
التمييز بين الشروط التي تنظم الإجراءات المتعلقة بالخصومة وتلك التي تنطبق على
الفتاوي والقصد من اصدار الفتاوي ليس تسوية المنازعات وانما اعطاء المشورة
القانونية للهيئات والمؤسسات التي تطلب الفتوى.
في حين جاء في الفقرة 16 من الفتوى
ان بعض الدول لاحظت ان الجمعية العامة لم تبين للمحكمة بدقة مقاصدها من طلب الفتوى
، فكان جواب المحكمة انها ليس ان تدعي لنفسها قرار ما اذا كانت الفتوى لازمة او
غير لازمة للجمعية لأداء وظائفها، ذلك ان للجمعية العامة الحق في ان تقرر لنفسها
امر مدى فائدة الفتوى في ضوء احتياجاتها.
اما الفقرة 17 من الفتوى فقد جاء فيها:
في حين تذكر الفقرة 18 من الفتوى ان بعض الدول دفعت بان الجواب على السؤال المعروض يجعل
محكمة العدل تتجاوز اختصاصها القضائي وتعطي نفسها اهلية سن القوانين فكان
رد المحكمة ان مهمة المحكمة هي ممارسة وظيفتها القضائية
العادية وهي التثبت من وجود او عدم وجود مبادئ وقواعد قانونية تنطبق على التهديد
بالأسلحة النووية او استخدامها.
وتأكيدا لما تقدم ترى المحكمة في الفقرة 19 من
الفتوى ان لها السلطة في اصدار فتوى بشأن المسالة التي عرضتها الجمعية
العامة عليها وانه لا توجد اي اسباب قاهرة تحمل المحكمة على ممارسة سلطتها
التقديرية في عدم اصدار الفتوى.
المطلب الثاني
صياغة السؤال المطروح
بعد بت المحكمة في ولايتها للنظر في الفتوى، اتجهت بعدها
لبعض المسائل المثارة من ابرزها فيما يتعلق بصيغة المسألة التي عرضتها الجمعية
العامة عليها، فالنص الإنكليزي يسأل: "هل التهديد بالأسلحة النووية او
استخدامها في اي ظرف مسموح به في ظل القانون الدولي؟".
بينما النص الفرنسي للسؤال هو "هل يُسمح
في القانون الدولي باللجوء الى التهديد بالأسلحة النووية او استخدامها في كل ظرف؟".
وترى المحكمة ان ليس من الضروري ان تنطق بحكم بشان ما
يمكن ان يكون هناك من تباين بين النصين الانكليزي والفرنسي للسؤال المطروح فهدفها
الحقيقي واضح: هو تقرير مشروعية او عدم مشروعية التهديد بالأسلحة النووية او
استخدمها.
في حين ترى دول اخرى ان الاستشهاد بآراء القضاة في قضية اللوتس ليس في محله وطعن في مركزها في القانون
الدولي المعاصر وفي انطباقها في الملابسات المختلفة تماما للقضية الحالية ودُفع
أيضا بان راي المحكمة الحالية المذكورة اعلاه كان بشان حيازة الاسلحة ولا صلة له
بالتهديد بالأسلحة النووية او استخدامها.
وكذلك اضيف من قبل بعض الدول انه اذا كانت المحكمة لتجيب
على السؤال الموجه اليها من الجمعية فينبغي الاستعاضة عن عبارة "مسموحا
به" بكلمة "محظورا".
وبعد كل ما تقدم لاحظت المحكمة : ان كلمة مسموحا به
ومسائل عبئ الاثبات التي قيل ان تلك العبارة تثيرها ليست لها في نظر المحكمة اهمية
خاصة فيما يتعلق بالبت في المسائل المعروضة عليها.
المبحث الثاني
القانون الواجب التطبيق والخصائص الفريدة للأسلحة النووية
في هذا المبحث ستتناول المحكمة القانون الواجب التطبيق
للنظر في مشروعية الاسلحة النووية بشأن استخدامها او التهديد بها، فضلا عن دراسة
الخصائص الفريدة للأسلحة النووية.
فقد تناولت المحكمة في الفقرات (23- 34) من القانون
الواجب التطبيق على المسألة المعنية باستخدام او التهديد بالأسلحة النووية؛ في حين
تناولت في الفقرتين 35 و36 الخصائص الفريدة للأسلحة النووية.
1 1- المادة 6 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية: حيث استند المناهضين لاستخدام أو التهديد بالأسلحة النووية لأحكام المادة 6 المذكورة وكذلك بعض الصكوك الاقليمية الخاصة بحماية حقوق الانسان وتنص الفقرة 1 من المادة 6 من العهد:
وردا على ذلك
دفع اخرون بان العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لم يتطرق الى ذكر
الحرب او الاسلحة ، ولا يحكم بذلك هذا العهد مشروعية الاسلحة النووية، وقيل كذلك
ان العهد موجه لحماية حقوق الانسان في وقت السلم الا ان المسائل المتصلة بفقدان
الحياة بصورة غير مشروعة في القتال يحكمها القانون الساري في النزاع المسلح.
2- اتفاقية حظر الابادة الجماعية سنة 1948: دفعت بعض الدول بان حظر الابادة الجماعية التي نظمتها الاتفاقية المذكورة تتعارض مع استخدام او التهديد بالأسلحة النووية، وينبغي على المحكمة ان تطبقه، اذ جاء في المادة الثانية منه على :
وسندهم في ذلك
ان استخدام الاسلحة النووية يسبب عدد هائل من الوفيات وانه من الممكن ان يكون من
بين الضحايا اشخاص من مجموعة قومية او اثنية او عرقية او دينية وانه يمكن
الاستدلال على وجود النية لإهلاك مثل هذه المجموعات من حقيقة ان مستخدم الاسلحة
النووية يكون قد اغفل حسبان الاثار المعروفة جيدا لاستخدام مثل هذه الاسلحة.
3-
القواعد السارية المتصلة بصون البيئة وحمايتها: اذ حاجت بعض الدول في بياناتها الخطية والشفوية على
السواء بان اي استخدام للأسلحة النووية غير مشروع وذلك استنادا الى القواعد
السارية المتصلة بصون البيئة وحمايتها بالنظر لأهميتها الاساسية.
وردا على ذلك
اعربت دول اخرى عن شكوكها في الطبيعة القانونية الملزمة لمبادئ القانون البيئي
هذه؛ كما انكر اخرون ارتباط تلك القواعد المعنية بحظر استخدام تقنيات التغيير في
البيئة لأغراض عسكرية او لأية اغراض عدائية اخرى البيئة بمسألة حظر استخدام او
التهديد بالأسلحة النووية في القتال.
او انكرت دول
اخرى في حالة البروتوكول الاضافي الاول انها ملزمة عموما بأحكامه او اشارت الى
انها احتفظت بموقفها ازاء الفقرة 3 من المادة 35 منه.
وانكرت دول
اخرى من خلال قولها بان الغرض الرئيسي للمعاهدات والقواعد البيئية هو حماية البيئة
في وقت السلم، وقيل ان تلك المعاهدات لم تورد ذكرا للأسلحة النووية
واشير أيضا الى انه لم يرد في نصوصها ذكر للحرب بصفة عامة ولا للحرب النووية بصفة
خاصة وانه مما يزعزع حكم القانون والثقة في المفاوضات الدولية ان تفسر هذه
المعاهدات الان على نحو يُحظر معه استخدام الاسلحة النووية.
وفي ظل الآراء والمواقف
المتقدمة ترى المحكمة:
وهذه
القيود قوية على كافة الدول التي تعهدت بالالتزام بهذه الاحكام.
4-
الخصائص الفريدة للأسلحة النووية (35 و 36): تلاحظ المحكمة انه، لكي يطبق على الحالة الحالية للقانون
المحدد في الميثاق بشأن استعمال القوة والقانون الواجب التطبيق في اوقات النزاع
المسلح وعلى الاخص القانون الانساني تطبيقا صحيحا، يتعين على المحكمة ان تضع في
الاعتبار الخصائص الفريدة للأسلحة النووية، ولاسيما قدرتها التدميرية وقدرتها على
التسبب في الام انسانية لا حصر لها وقدرتها على ايقاع الضرر بالأجيال المقبلة.
المبحث الثالث
مشروعية استخدام الاسلحة النووية او التهديد بها
بعد دراسة
القانون الواجب التطبيق والخصائص الفريدة للأسلحة النووية جاء دور المحكمة لتناقش
المشروعية بالنسبة للاستخدام او التهديد.
المطلب الاول
مشروعية استخدام او التهديد بالأسلحة النووية بموجب ميثاق الامم المتحدة
(فيما يتعلق بالتهديد بالقوة او استعمالها)
سوف تتطرق المحكمة
الآن لمسألة شرعية أو عدم شرعية اللجوء للأسلحة النووية في ضوء أحكام الميثاق المتعلق
بالتهديد بالقوة أو استخدام القوة، يتضمن الميثاق عدة أحكام خاصة بالتهديد بالقوة أو
استخدام القوة، السلاح الذي يعتبر غير شرعي بحد ذاته، سواء أكان ذلك في معاهدة أو عرف،
لا يصبح شرعيًا بسبب استخدامه لغرض مشروع، بموجب الميثاق.
يخضع الحق في اللجوء إلى الدفاع عن النفس بموجب المادة
51 لقيود معيّنة. وبعض هذه القيود كامنة في صلب مفهوم الدفاع عن النفس. كما أنّ المتطلبات
الأخرى محددة في المادة.
إنّ خضوع ممارسة الحق في الدفاع عن النفس لشرطي الضرورة
والتناسب هو قاعدة من قواعد القانون الدولي العرفي، وكما ذكرت المحكمة في قضية الأنشطة
العسكرية وشبه العسكرية في نيكاراغوا وضدها "هناك قاعدة محددة يمكن بمقتضاها أن
يبرر الدفاع عن النفس فقط بالتدابير المتناسبة مع الهجوم المسلح وضرورة الرد عليه،
وهي قاعدة مستقرة في القانون الدولي العرفي".
ولذلك، يجوز ألا
يستثني مبدأ التناسب بحد ذاته استخدام الأسلحة النووية في الدفاع عن النفس في جميع
الظروف، ولكن، في الوقت عينه، يتعين أن يكون استخدام القوة المتناسبة بموجب قانون الدفاع
عن النفس، حتى يكون مشروعًا، أن يفي بمتطلبات القانون المنطبق في النزاع المسلح الذي
يشمل على الأخص مبادئ وقواعد القانون الإنساني.
ادعت بعض الدول:
أنّ طبيعة الأسلحة النووية، والاحتمال الكبير في تصعيد تبادل القصف النووي، يعني أنّ
هناك خطرًا شديداً للغاية في حدوث دمار شامل. وقالت إنّ عامل الخطر يلغي إمكانية الالتزام
بشرط التناسب.
والمحكمة ترى أنه
ليس من الضروري الشروع في تحديد حجم هذه المخاطر؛ وأنها ليست بحاجة للبحث في مسألة
ما إذا كانت توجد أسلحة نووية تكتيكية دقيقة بما فيه الكفاية للحد من هذه المخاطر:
ويكفي المحكمة أن تشير إلى أنّ طبيعة كافة الأسلحة النووية، والمخاطر التامة المقترنة
بها، هي اعتبارات إضافية يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار من قبل الدول التي تعتقد أنها يمكن
أن تستخدم ردًا نوويًا في الدفاع عن النفس بما يتفق مع متطلبات التناسب.
المطلب الثاني
القواعد المنظمة لمشروعية او عدم مشروعية الاسلحة النووية في حد ذاتها
اولا:
القواعد الاتفاقية:
- بعدما تطرقت لأحكام الميثاق
الخاصة بالتهديد بالقوة أو استخدام القوة، ستنتقل المحكمة الآن إلى القانون المنطبق
في حالات النزاع المسلح. وستعالج أولاً مسألة ما إذا كانت هناك قواعد محددة في القانون
الدولي تنظم شرعية أو عدم شرعية اللجوء إلى الأسلحة النووية بصفتها هذه؛ ومن ثم ستتفحص
المسألة المعروضة عليها في ضوء القانون المنطبق في النزاع المسلح بشكل خاص، أي مبادئ
وقواعد القانون الإنساني المنطبق في النزاع المسلح، وقانون الحياد.
تظهر ممارسة الدول
أنّ عدم شرعية استخدام أسلحة معيّنة بصفتها هذه، ليس ناتجا عن
غياب الترخيص، بل على العكس،
ناجم عن صيغة الحظر.
لذلك، يتعين على المحكمة الآن أن تنظر فيما إذا كان هناك أيّ حظر على اللجوء
إلى الأسلحة النووية بصفتها هذه؛ وستتأكد أولاً ما إذا كان هناك أيّ أمر اتفاقي بهذا
الشأن.
وفي هذا الخصوص، فقد دفع بالحجة بأنّ الأسلحة النووية ينبغي أن تعامل بالطريقة
نفسها
كالأسلحة السامة. وفي هذه الحالة، يتم حظرها بموجب:
أ-
إعلان لاهاي الثاني
المؤرخ في 29 تموز/يوليو 1899 ، الذي يحظر "استخدام القذائف
التي يكون الغرض منها نشر الغازات الخانقة أو الضارة"؛
ب- المادة 23 (أ) من اللائحة المتعلقة بقوانين وأعراف الحرب
البرية، الملحقة باتفاقية لاهاي
الرابعة المؤرخة في 18 تشرين الأول/أكتوبر 1907 ، التي بمقتضاها "يمنع
بالخصوص:
... استخدام السم أو الأسلحة السامة"؛
ج- بروتوكول جنيف المؤرخ في 17 حزيران/يونيو
1925 ، الذي يحظر "استعمال الغازات
الخانقة والسامة
أو ما شابهها من مواد أو معدات، والوسائل الجرثومية في الحرب".
تلاحظ المحكمة أنّ اللائحة الملحقة باتفاقية لاهاي الرابعة
لا تحدد ما الذي ينبغي أن يفهم بعبارة "السم أو الأسلحة السامة"، وأنه توجد
تفاسير مختلفة حول المسألة. كما أنّ بروتوكول عام 1925 ، لا يحدد المعنى المقصود بعبارة
" أو ما شابهها من مواد أو معدات". وقد جرى فهم العبارتين، في ممارسة الدول،
بالمعنى العادي الذي يشمل الأسلحة التي يكون تأثيرها الأساسي، أو حتى الحصري، التسبب
بالتسمم أو الاختناق. وهذه الممارسة واضحة، ولم تعتبر الأطراف في هذه الصكوك أنها تشير
إلى الأسلحة النووية.
ونظرًا لذلك، لا يبدو للمحكمة أنّ استخدام الأسلحة النووية
يمكن أن يعتبر محظورًا، على وجه التحديد، على أساس الأحكام المذكورة أعلاه في إعلان
لاهاي الثاني لعام 1899 ، أو اللائحة الملحقة باتفاقية لاهاي الرابعة لعام 1907 ، أو
بروتوكول عام 1925.
القدوة حتى الآن خاصة بأسلحة الدمار الشامل التي تم إعلانها
أسلحة غير شرعية من خلال صكوك معيّنة. وقد جرى التفاوض على كل من هذه الصكوك واعتمادها
في سياقها الخاص ولأسبابها الخاصة. ولا تجد المحكمة أيّ حظر واضح على اللجوء للأسلحة
النووية في المعاهدات التي تحظر صراحة استخدام أسلحة معيّنة للدمار الشامل.
تشير المحكمة إلى أنّ المعاهدات التي تعالج حصرًا حيازة،
وتصنيع، وامتلاك، ونشر، وتجربة الأسلحة النووية، دون التطرق على وجه التحديد للتهديد
بها أو استخدامها، تشير بالتأكيد إلى قلق متزايد في المجتمع الدولي بخصوص هذه الأسلحة؛
ولذلك، تستنتج المحكمة أنّ هذه المعاهدات يمكن النظر إليها على أنها تؤذن بحظر مستقبلي
عام على استخدام هذه الأسلحة، ولكنها لا تشكل بحد ذاتها هذا الحظر. أما بالنسبة لمعاهدتي
تلاتيلولكو وراروتونغا وبروتوكولاتهما، وكذلك الإعلانات التي صدرت بخصوص التمديد غير
المحدد للمعاهدة الخاصة بعدم انتشار الأسلحة النووية، يتضح من هذه الصكوك:
أ-
تعهد عدد من الدول
بعدم استخدام الأسلحة النووية في مناطق محددة (أمريكا اللاتينية؛ جنوب المحيط الهادئ)
أو ضد دول أخرى معيّنة (الدول التي لا تمتلك أسلحة نووية، والتي هي أطراف في معاهدة
عدم انتشار الأسلحة النووية)؛
ب- مع ذلك، حتى ضمن هذا الإطار، تحفظت الدول النووية بشأن حقها
في استخدام الأسلحة النووية في ظروف معيّنة؛
ج- لم تقابل هذه التحفظات بأي معارضة من الأطراف في
معاهدتي تلاتيلولكو وراروتونغا،
أو من مجلس الأمن.
هاتان المعاهدتان،
والضمانات الأمنية التي أعطيت في العام 1995 من الدول النووية، وحقيقة أنّ مجلس الأمن
أخذ علمًا بها بارتياح، تشهد على وعي متزايد بضرورة تحرير مجتمع الدول والجمهور الدولي
من الأخطار الناتجة عن وجود الأسلحة النووية. علاوة على ذلك، تشير المحكمة إلى التوقيع
مؤخرًا، في 15 كانون الأول/ديسمبر 1995 ، في بانكوك، معاهدة بشأن منطقة خالية من الأسلحة
النووية في جنوب شرقي آسيا، وفي 11 نيسان/أبريل 1996 ، في القاهرة، معاهدة بشأن إقامة
منطقة خالية من الأسلحة النووية في أفريقيا. غير أنّ المحكمة لا ترى أنّ هذه العناصر
ترقى إلى حظر اتفاقي شامل وعالمي على استخدام هذه الأسلحة، أو التهديد باستخدامها بصفتها
هذه.
ثانيا:
القواعد العرفية:
وتنتقل المحكمة الآن لتتفحص القانون الدولي العرفي لتحدد ما إذا كان حظر التهديد بالأسلحة النووية أو استخدامها بصفتها هذه يأتي من هذا المصدر من مصادر القانون. وكما ذكرت المحكمة، فإنّ جوهر ذلك القانون يجب "البحث عنه أساسًا في الممارسة الفعلية والرأي القانوني للدول".
وتنتقل المحكمة الآن لتتفحص القانون الدولي العرفي لتحدد ما إذا كان حظر التهديد بالأسلحة النووية أو استخدامها بصفتها هذه يأتي من هذا المصدر من مصادر القانون. وكما ذكرت المحكمة، فإنّ جوهر ذلك القانون يجب "البحث عنه أساسًا في الممارسة الفعلية والرأي القانوني للدول".
وقد سعت الدول التي
تعتقد أنّ استخدام الأسلحة النووية أمر غير مشروع لإثبات وجود قاعدة عرفية تحظر هذا
الاستخدام. وتشير إلى ممارسة ثابتة في عدم استخدام الدول للأسلحة النووية منذ العام
1945 ، وترى في تلك الممارسة تعبيرًا عن رأي قانوني Opinio Juris من جانب الدول التي تمتلك هذه الأسلحة.
بعض الدول الأخرى،
التي تؤكد على مشروعية التهديد بالأسلحة النووية أو استخدامها في ظروف معينة، تذرعت
بعقيدة وممارسة الردع لدعم حجتها. وذكّرت بأنها دائمًا، وبالتنسيق مع دول أخرى بعينها،
تحفظت على حقها في استخدام تلك الأسلحة في ممارسة الحق في الدفاع عن النفس ضد هجوم
مسلح يهدد مصالحها الأمنية الحيوية. ومن وجهة نظرها، إذا لم تستخدم الأسلحة النووية
منذ العام 1945 ، فذلك ليس بسبب عرف موجود أو ناشئ، بل لمجرد أنّ الظروف التي قد تبرر
استخدامها لم تنشأ لحسن الحظ.
كما أنّ أعضاء المجتمع
الدولي منقسمون بشدة حول مسألة ما إذا كان عدم اللجوء إلى الأسلحة النووية في الخمسين
سنة الماضية يشكل تعبيرًا عن رأي قانوني. وبمقتضى هذه الظروف، فالمحكمة لا ترى نفسها
قادرة على الحكم بوجود هذا الرأي القانوني.
ووفقًا لبعض الدول،
فإنّ مجموعة قرارات الجمعية العامة الهامة، ابتداء من القرار 1653 (16) المؤرخ في
24 تشرين الثاني/نوفمبر 1961 ، التي تتطرق إلى الأسلحة النووية، وتؤكد بانتظام متسق،
عدم مشروعية الأسلحة النووية، تدل على وجود قاعدة في القانون الدولي العرفي تحظر اللجوء
إلى تلك الأسلحة.
تشير المحكمة إلى أنّ قرارات الجمعية العامة، حتى ولو لم
تكن ملزمة، قد تكون لها أحيانًا قيمة قانونية. وتستطيع في ظروف معيّنة، أن توفر دليلاً
مهما على تكريس وجود قاعدة أو نشوء رأي قانوني. ولإثبات ما إذا كان هذا الأمر يصح على
أحد قرارات الجمعية العامة، فمن الضروري النظر في مضمونه وظروف اعتماده؛ ومن الضروري
أيضًا النظر فيما إذا كان يوجد رأي قانوني بالنسبة لصفته القانونية. كما يجوز أن تظهر
مجموعة من القرارات النشوء التدريجي للرأي القانوني المطلوب لتكريس قاعدة جديدة.
وبتفحص مجمل القرارات التي أخذت بعين الاعتبار في القضية
الحالية، تم اعتماد العديد منها رغم معارضة
وامتناع أعداد كبيرة من الأصوات؛ وهي لا تفي بتكريس وجود رأي قانوني بشأن عدم مشروعية
استخدام هذه الأسلحة.
وبعد قولها هذا،
تشير المحكمة إلى أنّ اعتماد الجمعية العامة كل سنة، وبأغلبية كبيرة، قرارات تذكّر
بمضمون القرار 1653 ( 16 )، وتطلب من الدول الأعضاء التوصل إلى اتفاقية تحظر استخدام
الأسلحة النووية في أيّ ظرف كان، يُظهر رغبة قسم كبير جدًا من المجتمع الدولي في اتخاذ
خطوة مهمة للأمام، من خلال حظر واضح وصريح على استخدام الأسلحة النووية، على درب إتمام
نزع السلاح النووي. إنّ نشوء قاعدة عرفية تحظر على وجه التحديد استخدام الأسلحة النووية
بصفتها هذه، كقانون سارٍ كما هو ( as lex lata )، تعوقه التوترات المستمرة بين الرأي القانوني الناشئ من جهة، والتمسك
بممارسة الردع الذي لا يزال قويًا من جهة أخرى.
ثالثا: مبادئ
القانون الدولي الانساني:
المحكمة التي لم تجد قاعدة اتفاقية ذات نطاق عام، ولا قاعدة عرفية، تحرّم على وجه التحديد التهديد بالأسلحة النووية أو استخدامها بصفتها هذه، ستتطرق الآن لمسألة ما إذا كان يجب اعتبار اللجوء إلى الأسلحة النووية غير مشروع في ضوء مبادئ وقواعد القانون الدولي الإنساني المنطبق في النزاع المسلح، وقانون الحياد.
المحكمة التي لم تجد قاعدة اتفاقية ذات نطاق عام، ولا قاعدة عرفية، تحرّم على وجه التحديد التهديد بالأسلحة النووية أو استخدامها بصفتها هذه، ستتطرق الآن لمسألة ما إذا كان يجب اعتبار اللجوء إلى الأسلحة النووية غير مشروع في ضوء مبادئ وقواعد القانون الدولي الإنساني المنطبق في النزاع المسلح، وقانون الحياد.
لقد ظهر عدد
كبير من القواعد العرفية من خلال ممارسة الدول، وتشكل هذه القواعد جزءًا لا يتجزأ
من القانون الدولي الخاص بالمسألة المطروحة. إنّ "قوانين وأعراف الحرب"
– كما كانت تسمى تقليديًا - كانت موضع جهود التدوين التي جرت في لاهاي (ومن بينها
اتفاقيتا 1899 و 1907)، واستندت جزئيًا على إعلان سان بيترسبورغ لعام 1868 ،
ونتائج مؤتمر بروكسل لعام 1874 . و"قانون لاهاي" هذا، وعلى الأخص
اللائحة الخاصة باحترام قوانين وأعراف الحرب البرية، حدد حقوق وواجبات المتحاربين
في إدارة عملياتهم، وحدّ من اختيار أساليب ووسائل إلحاق الضرر بالعدو في النزاع
المسلح الدولي. وينبغي أن يضيف المرء إلى ذلك "قانون جنيف" (اتفاقيات
1864 ، و 1906 ، و 1929 ، و 1949)، الذي يحمي ضحايا الحرب، ويهدف لتوفير الحماية
لأفراد القوات المسلحة العاجزين عن القتال، والأشخاص الذين لا يشاركون في الأعمال
العدائية. وقد أصبح هذان الفرعان من القانون المنطبق في النزاع المسلح مترابطين
ترابطًا وثيقًا، مما جعلهما شكلان
تدريجيًا نظامًا مركبًا واحدًا، يعرف اليوم بالقانون الدولي الإنساني. وجاءت أحكام
البروتوكولين الإضافيين لعام 1977 تعبيرًا عن ذلك وشهادة على وحدة وتداخل ذلك
القانون.
منذ بداية القرن،
مع ظهور وسائل القتال الجديدة – ودون التشكيك في مبادئ وقواعد القانون الدولي القديمة
- كان من الضروري وضع حظر محدد على استخدام أسلحة معيّنة، كالقذائف المتفجرة التي يقل
وزنها عن 400 غرام، ورصاص الدمدم، والغازات الخانقة. كما تم حظر الأسلحة الكيميائية
والبكتريولوجية في بروتوكول جنيف لعام 1925 . وبعد ذلك، تم حظر استعمال الأسلحة التي
تحدث "الشظايا التي لا يمكن الكشف عنها"، وحظر أو تقييد استعمال "الألغام،
والأشراك الخداعية، والنبائط الأخرى"، و"الأسلحة المحرقة"، بحسب كل
حالة، في اتفاقية 10 تشرين الأول/أكتوبر 1980 ، بشأن حظر أو تقييد استعمال أسلحة تقليدية
معيّنة يمكن اعتبارها مفرطة الضرر أو عشوائية الأثر. وتم تعديل أحكام الاتفاقية بشأن
"الألغام، والأشراك الخداعية، والنبائط الأخرى" في 3 أيار/مايو 1996 ، بحيث
أصبحت تنظم بمزيد من التفاصيل، على سبيل المثال، استعمال الألغام الأرضية المضادة للأفراد.
يظهر من كل ذلك أنّ إدارة العمليات العسكرية تحكمها مجموعة
من القواعد القانونية. وهذا لأنه "ليس للمتحاربين حق مطلق في اختيار وسائل إلحاق
الضرر بالعدو" كما تنص على ذلك المادة 22 من لائحة لاهاي لعام 1907 ، الخاصة بقوانين
وأعراف الحرب البرية. وقد أدان إعلان سان بيترسبورغ من قبل استخدام الأسلحة التي
"تزيد بلا مبرر من آلام الأشخاص الذين أصبحوا عاجزين عن القتال أو تجعل موتهم
محتومًا". وتحظر اللائحة آنفة الذكر بشأن قوانين وأعراف الحرب، والملحقة باتفاقية
لاهاي الرابعة لعام 1907 ، استخدام "الأسلحة، والقذائف، والمواد التي من شأنها
إحداث إصابات وآلام لا مبرر لها" (المادة 23).
المبادئ الرئيسة المندرجة في النصوص التي تشكل نسيج القانون
الإنساني هي التالية: المبدأ الأول
يهدف إلى حماية السكان المدنيين والأعيان المدنية، ويكرس التمييز بين المقاتلين وغير
المقاتلين؛ إذ يجب على الدول ألا تجعل من المدنيين محلاً للهجمات، ويتعين بالتالي ألا
تستخدم الأسلحة غير القادرة على التمييز بين المدنيين والأهداف العسكرية. وطبقًا للمبدأ
الثاني، يحظر التسبب بآلام لا مبرر لها للمقاتلين: وتبعًا لذلك يحظر استخدام الأسلحة
التي تسبب لهم هذا الأذى أو تزيد من آلامهم دون مبرر. وفي تطبيق هذا المبدأ الثاني،
ليس للدول حرية مطلقة في اختيار الوسائل في الأسلحة التي يستخدمونها.
وتود المحكمة أن تشير أيضًا، بخصوص هذه المبادئ، إلى شرط
مارتنز، الذي تضمنته أولاً اتفاقية لاهاي الثانية بشأن قوانين وأعراف الحرب البرية
لعام 1899 ، والذي أثبت أنه وسيلة فعالة في معالجة التطور السريع للتكنولوجيا العسكرية.
ويمكن أن نجد نسخة محدثة من ذلك الشرط في الفقرة الثانية، من المادة الأولى، من البروتوكول
الأول الإضافي لعام 1977 ، الذي ينص على ما يلي:
"يظل المدنيون والمقاتلون في الحالات التي لا ينص عليها
في هذا اللحق "البروتوكول" أو أيّ اتفاق دولي آخر، تحت حماية وسلطان مبادئ
القانون الدولي كما استقر بها العرف ومبادئ الإنسانية وما يمليه الضمير العام".
وتماشيًا مع المبادئ آنفة الذكر، حظر القانون الإنساني في
مرحلة مبكرة أنواعًا معيّنة من الأسلحة، إما بسبب أثرها العشوائي على المقاتلين والمدنيين،
وإما بسبب الآلام التي لا مبرر لها التي تلحقها بالمقاتلين، وهذا يعني ضررًا أكبر من
الضرر الذي لا يمكن تفاديه من أجل تحقيق أهداف عسكرية مشروعة. وإذا كان الاستخدام المتوخى
من أسلحة لا يفي بمتطلبات القانون الإنساني، فإنّ التهديد بهذا الاستخدام يكون أيضًا
مخالفًا لذلك القانون.
مما لا شك فيه أنّ
اتفاقيات لاهاي وجنيف حظيت بانضمام واسع، لأنّ قواعد كثيرة جدًا من القانون الإنساني
المنطبقة في النزاع المسلح هي قواعد أساسية للغاية من أجل احترام الفرد و"الاعتبارات
الأولية للإنسانية" كما رأت المحكمة في حكمها الصادر في 9 نيسان/أبريل949 ، في
قضية قناة كورفو.
وعلاوة على ذلك،
يتعين على جميع الدول الامتثال لهذه القواعد الأساسية سواء أكانت مصادقة على الاتفاقيات
التي تتضمنها أم لا، لأنها تشكل مبادئ من القانون الدولي العرفي لا يجوز انتهاكها.
وقد وجدت محكمة
نورمبورغ العسكرية الدولية في عام 1945 أنّ القواعد الإنسانية التي تتضمنها اللائحة
الملحقة باتفاقية لاهاي الرابعة لعام 1907 ، قد "تم الاعتراف بها من قبل جميع
الدول المتحضرة، وتم اعتبارها تفسيرية لقوانين وأعراف الحرب".
كما أنّ تقرير الأمين العام، المقدم إلى مجلس الأمن، عملاً
بالفقرة 2 من قرار مجلس الأمن
رقم 808 ( 1993 )، الذي قدم فيه نظام المحكمة الدولية لمقاضاة
الأشخاص المسؤولين عن
الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني المرتكبة في
أراضي يوغوسلافيا السابقة منذ العام
1991 ، والذي وافق عليه مجلس الأمن بالإجماع (القرار رقم
827 ( 1993 ))، نصّ على ما يلي: "إنّ ذلك الجزء من القانون الدولي الإنساني
للاتفاقيات الذي مما لا شك فيه أصبح جزءًا من القانون الدولي العرفي هو القانون المنطبق
في النزاع المسلح على النحو المندرج في: اتفاقيات جنيف المؤرخة في 12 آب/أغسطس
1949 لحماية ضحايا الحرب؛ واتفاقية لاهاي الرابعة الخاصة باحترام قوانين وأعراف الحرب
البرية، واللائحة الملحقة بها، المؤرخة في 18 تشرين الأول/أكتوبر 1907 ؛ واتفاقية منع
جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، المؤرخة في 9 كانون الأول/ديسمبر 1948 ؛ وميثاق
المحكمة العسكرية الدولية، المؤرخ في 8 آب/أغسطس 1945".
إنّ التدوين واسع
النطاق للقانون الإنساني ومدى الانضمام للمعاهدات الناشئة، فضلاً عن مواد الانسحاب
التي وضعت في صكوك التدوين التي لم يتم استخدامها أبدًا، وفرت للمجتمع الدولي مجموعة
قواعد تعاهدية، أصبحت غالبيتها عرفية، وعكست المبادئ الإنسانية المعترف بها على نطاق
واسع عالميًا. وتشير هذه القواعد إلى السلوك السوي المتوقع من الدول.
وليس هناك أيّ حاجة
لكي تدرس المحكمة مسألة انطباق البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977 على الأسلحة النووية.
ولكن من الضروري فقط أن تشير إلى أنه في حين لم يكن هناك أيّ نقاش حقيقي بشأن المسألة
النووية، في المؤتمر الدبلوماسي 1974 - 1977 ، ولم يقدم أيّ حل محدد بخصوص هذه المسألة،
لم يستبدل البروتوكول الإضافي الأول بأيّ طريقة كانت القواعد العرفية العامة المنطبقة
على جميع وسائل وأساليب القتال، بما يشمل الأسلحة النووية.
وتذكّر المحكمة،
على وجه الخصوص، بأنّ جميع الدول ملزمة بهذه القواعد من البروتوكول الإضافي الأول،
التي كانت عند اعتمادها، مجرد تعبير عن القانون العرفي الموجود سابقًا، كشرط مارتنز،
الذي أعيد التأكيد عليه في المادة الأولى من البروتوكول الإضافي الأول. وإذا كانت أنواع
معينة من الأسلحة لم تناقش بشكل محدد في مؤتمر 1974 - 1977 ، فإن ذلك لا يجيز استخلاص
أيّ استنتاجات قانونية بشأن المسائل الموضوعية التي يمكن أن يثيرها استخدام تلك الأسلحة.
لقد تم اختراع الأسلحة
النووية بعد أن باتت معظم مبادئ وقواعد القانون الإنساني المنطبقة في النزاع المسلح
في حيز الوجود؛ ولم يتطرق مؤتمرا 1949 ، و 1974 - 1977 ، إلى هذه الأسلحة، كما أنّ
هناك فرقًا نوعيًا وكميًا بين الأسلحة النووية وكافة الأسلحة التقليدية. غير أنه لا
يمكن الاستنتاج من ذلك أنّ مبادئ وقواعد القانون الإنساني المستقرة المنطبقة في النزاع
المسلح لم تنطبق على الأسلحة النووية. ومثل هذا الاستنتاج لن يتوافق مع الطابع الإنساني
الحقيقي للمبادئ القانونية التي نحن بصددها، والتي تندرج في قانون النزاع المسلح بأكمله،
وتنطبق على جميع أشكال الحروب وعلى كافة أنواع الأسلحة، سواء أكان ذلك في الماضي، أم
في الحاضر، أم في المستقبل.
ولم تؤيد أيّ من
البيانات التي قدمت أمام المحكمة، بأيّ شكل من الأشكال، الحرية في استخدام الأسلحة
النووية دون الأخذ بعين الاعتبار الضوابط الإنسانية. بل العكس صحيح؛ فقد ذكرت صراحة:
"القيود التي تفرضها القواعد المنطبقة على النزاعات المسلحة بخصوص وسائل وأساليب
القتال تمتد أيضًا لتطال الأسلحة النووية".
"بالنسبة للقانون العرفي للحرب، لطالما وافقت المملكة
المتحدة على أنّ استخدام الأسلحة النووية يخضع للمبادئ العامة للقانون في الحرب jus in bello".
"لطالما شاطرت الولايات المتحدة الرأي في أنّ قانون
النزاع المسلح يحكم استخدام الأسلحة النووية - تمامًا كما يحكم استخدام الأسلحة التقليدية".
وأخيرًا، تشير المحكمة إلى شرط مارتنز الذي ليس من شك في
استمرار وجوده وانطباقه، كتأكيد على انطباق مبادئ وقواعد القانون الإنساني على الأسلحة
النووية.
رابعا: مبدأ
الحياد: قررت المحكمة
ان القانون الدولي ؛ شأنه شان مبادئ القانون الانساني المنطبقة في النزاع المسلح
لا يدع مجالا للشك في ان المبدأ الحياد أيا كان مضمونه وهو في طابعه الاساسي مماثل
لمبادئ القانون الانساني وقواعده ينطبق (رهنا بأحكام ميثاق الامم المتحدة ذات
الصلة)، على كل نزاع مسلح دولي، أيا كانت الاسلحة المستخدمة.
خامسا: النتائج
التي تستخلص من انطباق القانون الدولي الانساني ومبدأ الحياد: بالرغم من أنّ انطباق
مبادئ وقواعد القانون الإنساني ومبادئ الحياد على الأسلحة النووية يكاد يكون من غير
المتنازع عليه، إلا أنّ الاستنتاجات التي يمكن استخلاصها من هذا الانطباق هي، من ناحية
أخرى، مثيرة للجدل.
وتلاحظ المحكمة
أنه لم تشر أيّ دولة من الدول المؤيدة لمشروعية استخدام الأسلحة النووية وفقًا لظروف
معيّنة، بما في ذلك الاستخدام "النظيف" للأسلحة النووية التكتيكية، الأصغر،
والأقل زخمًا، وعلى افتراض أنّ مثل هذا الاستخدام المحدود هو استخدام مناسب، إلى الظروف
المحددة التي تبرر هذا الاستخدام؛ ولم تبيّن أيضًا ما إذا كان هذا الاستخدام المحدود
سيؤدي إلى تصعيد يتحول إلى استخدام شامل للأسلحة النووية ذات الزخم العالي أم لا.
وأمام هذا الواقع،
لا ترى المحكمة أنّ لديها الأساس الكافي لاتخاذ القرار بشأن صحة هذا الرأي.
كما أنّ المحكمة لا تستطيع أن تتخذ قرارًا بشأن صحة الرأي
القائل إنّ اللجوء إلى الأسلحة النووية هو أمر غير قانوني في أيّ ظرف من الظروف، نظرًا
لتعارضه المتأصل والكلي مع القانون المنطبق في النزاع المسلح. بالتأكيد، وكما أشارت
المحكمة سابقًا، فإنّ مبادئ وقواعد القانون المنطبق في النزاع المسلح - وفي صميمها
الاعتبارات الإنسانية الأساسية – تجعل من
إدارة الأعمال العدائية خاضعة لعدد من المقتضيات الصارمة.
ولذلك، فإنّ أساليب ووسائل القتال،
التي تحول دون أيّ تمييز بين المدنيين والأعيان المدنية من
جهة، والأهداف العسكرية من جهة
أخرى، أو التي قد تحدث آلامًا لا مبرر لها للمقاتلين، هي
أساليب ووسائل محظورة. وفي ضوء الخصائص الفريدة للأسلحة النووية، التي أشارت المحكمة
إليها آنفًا، يبدو بالفعل أنّ استخدام هذه الأسلحة يصعب التوفيق بينها وبين هذه المقتضيات.
ومع ذلك، لا ترى المحكمة أنّ لديها عناصر كافية تمكنها من الاستنتاج بقناعة أنّ استخدام
الأسلحة النووية يمكن أن يكون بالضرورة متعارضًا مع مبادئ وقواعد القانون المنطبق في
النزاع المسلح في أيّ ظرف من الظروف.
علاوة على ذلك، لا تستطيع المحكمة أن تغفل الحق الأساسي لكل
دولة في البقاء، وبالتالي حقها في اللجوء إلى الدفاع عن النفس، بموجب المادة 51 من
الميثاق، عندما يكون بقاؤها على المحك.
ولا يمكنها أن تتجاهل الممارسة المشار إليها ك"سياسة
ردع"، التي التزم بها قسم ملموس من المجتمع الدولي. وتشير المحكمة أيضًا إلى التحفظات
التي أضافتها دول نووية معيّنة للتعهدات التي قدمتها، لاسيما بموجب بروتوكولات معاهدتي
تلاتيلولكو وراروتونغا، وكذلك بموجب الإعلانات التي وضعتها بخصوص تمديد معاهدة عدم
انتشار الأسلحة النووية، في عدم اللجوء إلى هذه الأسلحة.
ولهذه الأسباب،
فإنّ المحكمة،
(1) بثلاثة عشر صوتًا في مقابل صوت واحد، تقرر أن تمتثل لطلب رأي استشاري.
(2) وتجيب بالطريقة التالية عن السؤال الذي وجهته الجمعية
العامة:
أ- بالإجماع،
لا يوجد في القانون
الدولي العرفي، أو في قانون الاتفاقيات الدولي، أيّ ترخيص محدد بالتهديد بالأسلحة النووية
أو استخدامها؛
ب- بأحد عشر صوتًا في مقابل ثلاثة أصوات،
لا يوجد في القانون
الدولي العرفي، أو في قانون الاتفاقيات الدولي، أيّ حظر شامل وعالمي على التهديد بالأسلحة
النووية أو استخدامها بصفتها هذه؛
لصالح القرار: الرئيس بدجاوي Bedjaoui ؛ ونائب
الرئيس شفيبل Schwebel ؛ والقضاة أودا Oda ، وغيوم Guillaume ، ورانجيفا Ranjeva ، وهيرزغ ،Herczegh
وشي Shi ، وفليشهاور
Fleischhauer ، وفيريشتن Vereshchetin ، وفيراري
برافو Ferrari Bravo ، وهيغنز ؛Higgins
ضد القرار: القضاة شهاب الدين Shahabuddeen ،
وويرامانتري ،Weeramantry وكوروما .Koroma.
ج- بالإجماع، إنّ التهديد بالقوة أو استخدام القوة بواسطة الأسلحة النووية
الذي يخالف الفقرة 4، من المادة 2، من ميثاق الأمم المتحدة، والذي لا يفي بجميع مقتضيات
المادة 51 ، أمر غير مشروع؛
د- بالإجماع، ينبغي أن يكون التهديد بالأسلحة النووية أو استخدامها منسجمًا
مع مقتضيات القانون الدولي المنطبق في النزاع المسلح، وبخاصة مقتضيات مبادئ وقواعد
القانون الدولي الإنساني، فضلاً عن الالتزامات المحددة بموجب المعاهدات والتعهدات الأخرى
التي تتطرق صراحة للأسلحة النووية؛
ه - بسبعة أصوات
مقابل سبعة أصوات، وبالصوت المرجح للرئيس، يستنتج من المقتضيات المذكورة أعلاه أنّ التهديد بالأسلحة
النووية أو استخدامها يتعارض بشكل عام مع قواعد القانون الدولي المنطبق في النزاع المسلح،
وخاصة مبادئ وقواعد القانون الإنساني؛
مع ذلك، وفي
ضوء الوضع الراهن للقانون الدولي، وعناصر الواقع الموجودة في متناولها، لا تستطيع
المحكمة الاستنتاج بشكل حاسم ما إذا كان التهديد بالأسلحة النووية أو استخدامها مشروعا
أو غير مشروع في حالة قصوى من الدفاع عن النفس، بحيث يكون بقاء الدولة بحد ذاته على
المحك؛
لصالح القرار: الرئيس بدجاوي Bedjaoui ؛ والقضاة رانجيفا Ranjeva ، وهيرزغ ،Herczegh وشي Shi ، وفليشهاور Fleischhauer ، وفيريشتن Vereshchetin ، وفيراري
برافو ؛Ferrari Bravo.
ضد القرار: نائب الرئيس شفيبل Schwebel ؛ والقضاة أودا Oda ، وغيوم ،Guillaume وشهاب الدين Shahabuddeen ، وويرامانتري Weeramantry ، وكوروما
Koroma ، وهيغنز .Higgins.
و- بالإجماع: يوجد التزام بالمتابعة بحسن نية من أجل التوصل في المفاوضات
إلى نتيجة تؤدي إلى نزع الأسلحة النووية بجميع جوانبها تحت سيطرة دولية صارمة وفعالة.
اذا كانت هناك معلومات اضافية يريد القارئ الكريم اضافتها او تعديلها فذلك يسعد الباحث لتعم الفائدة على الجميع.
ReplyDelete