Skip to main content

عندما تُولد نصوص دستورية ميتة: فإن إكرام الميت دفنهُ


عندما تُولد نصوص دستورية ميتة: فإن إكرام الميت دفنهُ!

(مجلس الاتحاد العراقي أنموذجاً) *



د. محمد عدنان علي الزبر*

كما تعلمون أعزائي ان التوجه بعد 2003 انصب حول تبني النظام الفيدرالي بإصرار من الجانب الكردي فضلا عن غيرهم من السياسيين، فوُضع دستور سنة 2005 وسابقه الذي مهد له قانون ادارة الدولة للمرحلة الانتقالية سنة 2004 بتبني النظام الفيدرالي، بعدما كانت الدولة العراقية دولة موحدة قبل ذلك العهد مع منح الحكم الذاتي للمناطق الكردية، فكان نتاج الاخذ بالنظام الفيدرالي ان يأخذ العراق بثنائية السلطة التشريعية كما هو الحال في الولايات المتحدة الامريكية باعتبارها دولة فيدرالية وغيرها من الدول الفيدرالية ظناً من واضعي الدستور العراقي لعام 2005 ان هناك تلازم حتمي بين تبني النظام الفيدرالي واعتماد ثنائية السلطة التشريعية، احدهما يمثل عموم الشعب والاخر يمثل الاقاليم.

التنظيم الدستوري لمجلس الاتحاد:


            على الرغم مما تقدم الا ان النصوص الدستورية التي نصت على مجلس الاتحاد (48، 65، 137)، جائت مشوهة وغير مكتملة الملامح ما تدل على غياب الرؤية القانونية المكتملة لواضعي دستور 2005 وانهم يتعاملون مع عدد كبير من الوقائع التي ينبغي للدستور ان ينظمها بطريقة اسقاط الفرض والقاء الحبل على الغارب، فبالرجوع الى المادة 65 التي نصت على انشاء مجلس الاتحاد يضم ممثلين عن الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم!، وتحديد صلاحياته من قبل قرينه مجلس النواب بقانون يسن بأغلبية ثلثي مجلس النواب، وهي صياغة غريبة من نوعها اذ جمعت بين من يمثل المحافظات التي تُدار بطريقة اللامركزية الادارية وبين الاقاليم التي تتكون منها الدولة الاتحادية في عضوية مجلس الاتحاد!، من جانب، ومن جانب اخر نجدها قد أحالت تحديد صلاحياته لقرينه مجلس النواب مما أخل بمركز مجلس الاتحاد الدستوري وصلاحياته، فكما هو معروف ان مجلس الاتحاد سلطة تشريعية موازية لمجلس النواب الغاية منه تحقيق التوازن ما بين مصلحة الشعب عموما التي يمثلها مجلس النواب ومصلحة الاقاليم التي يمثلها مجلس الاتحاد، وعلى الرغم من ذلك جعل واضعي الدستور مجلس الاتحاد ادنى مرتبة من مجلس النواب على اعتبار ان الاخير هو المعني بإنشائه وتحديد صلاحياته، وعلى مستوى الصلاحيات ففي الوقت الذي نجد الدستور العراقي قد نظم صلاحيات مجلس النواب بشكل مفصل نجده يبخل على مجلس الاتحاد ذكر أي صلاحية في صلب الدستور، وانما احال تحديد صلاحياته الى مجلس النواب والذي بالتأكيد _أي مجلس النواب_ لا يرغب بأن يمنح مجلس الاتحاد صلاحيات واسعة على حساب صلاحياته الممنوحة له بموجب الدستور.

مدى ضرورة انشاء مجلس الاتحاد العراقي؟

وهنا يُثار التساؤل: هل ان ثنائية السلطة التشريعية امر لا يمكن الاستغناء عنه في ظل الانظمة الفيدرالية كما هو الحال في العراق؟، الجواب هو بالنفي!، والدليل ان هنالك عدد من الدول تعتمد النظام الفيدرالي ولديها سلطة تشريعية واحدة كما هو الحال بالنسبة ليوغسلافيا سابقا بموجب دستورها سنة 1963، فالغاية من انشاء الثنائية التشريعية في الدول الفيدرالية هو عندما يكون هناك تفاوت كبير بين عدد سكان اقليم عن الاخر وهذا التفاوت سينعكس في عدد الممثلين في السلطة التشريعية وما يرافقه من تفضيل مصلحة اقليم على اخر وضياع حقوق الاقاليم التي عدد سكانها قليل بالنسبة لغيرها من الاقاليم الكبيرة.

 وقد كانت فكرت الثنائية التشريعية قد ظهرت لأول مرة في الولايات المتحدة الامريكية ولهذا الظهور ما يبرره ان هناك تفاوت سكاني كبير بين ولاية واخرى، وهو امر مختلف تماما في العراق الذي يتوزع عدد سكانه بشكل متقارب في مختلف المحافظات العراقية بما فيها محافظات الاقليم؟ وبذلك نصل الى نتيجة ان مجلس الاتحاد وكما اثبت الواقع لنا لا حاجة له في العراق حتى وان بقي العراق دولة اتحادية، في الوقت الذي نجد فيه ان اقليم كردستان هو الاقليم الوحيد في العراق حتى يومنا هذا ولعله سيبقى الوحيد، أما المحافظات غير المنتظمة في اقليم فهي ليست بأقاليم ليتم تمثيلها بمجلس تشريعي مستقل، وان الزج بها _اي المحافظات_ في عدد من النصوص الدستورية الى جانب الاقاليم جائت نتيجة العُجالة وغياب الرؤية المكتملة لعراق ما بعد دستور 2005، وما يؤكد عدم الحاجة الى مجلس الاتحاد ما يسود لدى الشعب العراقي اليوم قناعة تقليص عدد من يمثلهم في السلطة التشريعية وليس فتح باب اخر من النفقات والامتيازات التي سئم منها الشعب وغدت تشكل عبئا ثقيلا من اعباء الدولة العراقية.


اكرام الدستور الميتة نصوصه بتعديلها أو الغائها!


ليس من مصلحة الدساتير ان تبقى نصوصها معطلة فذلك يضعف ثقة الشعب بأحكامها ويدفع السلطة الحاكمة على التجاسر في انتهاك ما تبقى من نصوصها بالتجاهل وعدم التطبيق كلما سنحت لهم الفرصة واقتضت لذلك المصلحة، وذلك ما يحدث فعلا في العراق فصار المعنين بتطبيقه يؤمنون ببعض نصوص الدستور ويكفرون ببعض!، ولذلك فان النصوص التي تُولد ميتة لعدم تماشيها مع الواقع الاجتماعي ينبغي تعديلها او الغائها كلما سنحت الفرصة للسلطة المختصة، وارتباطا بموضوعنا اليوم لتكون هذه النصوص الدستورية (48، 65، 137) على باب التعديل الدستوري اذا ما توفرت الارادة الجادة لأصحاب القرار! كإستجابة فعلية للتظاهرات التي لازال يشهدها الشارع العراقي بسبب فشل العملية السياسية وغياب ادنى مقومات الحياة الكريمة للمواطن العراقي، نحو بناء دولة قوية امنة ومستقرة.



* مقال منشور في جريدة الزمان بتأريخ الاثنين، 20/ 8/ 2018، على الرابط التالي: https://www.azzaman.com/?p=238130
* باحث قانوني في مرحلة الدكتوراه وتدريسي في جامعة التراث_ كلية القانون/ بغداد.

Comments

  1. اذا كانت هناك معلومات اضافية يريد القارئ الكريم اضافتها او تعديلها فذلك يسعد الباحث لتعم الفائدة على الجميع.

    ReplyDelete

Post a Comment

يرجى مشاركة ارائكم ومقترحاتكم

Popular posts from this blog

القدم الوظيفي المترتب عن الشكر والتقدير

                                        هل يترتب على الشكر والتقدير الصادر عن السيد رئيس مجلس الوزراء قدم لستة اشهر؟!   م.د. محمد عدنان علي تدريسي ومدير قسم الشؤون الادارية والمالية في جامعة جابر بن حيان للعلوم الطبية والصيدلانية                       لمقتضيات الوقوف على سياق اداري وقانوني سليم وحماية للمراكز القانونية للموظفين في احتساب مدد القدم نتيجة الشكر والتقدير الممنوح من قبل السيد رئيس مجلس الوزراء والسيد وزير التعليم العالي والبحث العلمي والسيد رئيس الجامعة نسطر ملاحظاتنا القانونية التالية: أولا: جاء في كتاب امانة مجلس الوزراء ذي العدد ق/ 2/ 5/ 27 / 07647 في 11/ 3/ 2020 ، إجابة عن عدد من التساؤلات: (ان الشكر الموجه من قبل السيد رئيس الوزراء يرتب قدما لمدة ستة اشهر)، وهو رأي قانوني غير سليم لم يتوفر فيه سندا   قانونيا   سوى قرار مجلس قيادة المنحل رقم 155 لسنة 2000 والذي جاء نصه : ( يرتب الشكر والتقدير الموجه من رئيس الجمهورية الى أي منتسب في الدولة قدما لمدة ستة اشهر لأغراض الترقية والترفيع والعلاوة وتغيير العنوان الوظيفي ولمدة سنة واحدة للأغراض نفسها في حال تكراره .

تعريف القاعدة القانونية وخصائصها.. عناصرها.. مصادرها

    د. محمد عدنان علي القاعدة القانونية قاعدة سلوك اجتماعية تنظم العلاقة ما بين الأشخاص  ملزمة ومقترنة بجزاء تفرض على من يخالفها من قبل السلطة العامة. القاعدة القانونية   خصائص القاعدة القانونية عناصر القاعدة القانونية مصادر القاعدة القانونية     خصائص القاعدة القانونية   ·                     القاعدة القانونية قاعدة سلوك اجتماعية. ·                     القاعدة القانونية عامة مجردة. ·                     القاعدة القانونية تنظم العلاقة ما بين روابط المجتمع. ·                     القاعدة القانونية ملزمة ومقترنة بجزاء تفرض على من يخالفها.   عناصر القاعدة القانونية : ·                      الفرض. ·                      الحكم.             مصادر القاعدة القانونية ·                      المصادر الرسمية أو الشكلية للقانون العراقي. ‌أ-                     التشريع. ‌ب-                 العرف. ‌ج-                   مبادئ الشريعة الاسلامية. ‌

عدد من أسئلة مادة المدخل لدراسة القانون المعنية بموضوع التشريع

(التشريع كمصدر من مصادر القانون)   د. محمد عدنان علي الزبر ملاحظات: ·        هذه الاسئلة تتعلق فقط بموضوع التشريع كمصدر من مصادر القانون. ·        هذه الاسئلة الغاية منها تسهيل الدراسة على الطالب فحسب ولا يُشترط ان يكون نمط الاسئلة الفصلية بذات الطريقة. ·        ينبغي قراءة الاجابة على تلك الاسئلة بتركيز لان فيها احكام قانونية مهمة. س1: هنالك ما يُعرف بالمصدر التاريخي، المصدر المادي، المصدر التفسيري واخيرا المصدر الرسمي للقانون. وضح كل منهما وأيا منهما يرتبط بالمشرع عند صياغة النص القانوني وايهما يرتبط بالقاضي عند تطبيقه. س2: عدد من حيث الاولوية المصادر الرسمية للقانون المدني العراقي. س3: عدد من حيث الاولوية المصادر الرسمية لقانون الاحوال الشخصية العراقي. س4: عدد من حيث الأولوية المصادر الرسمية للقانون الدستوري. س5: ما هو المصدر الرسمي لقانون العقوبات. س6: هل يعد العرف أو الدين مصدر من مصادر قانون العقوبات، ناقش ذلك. س7: حدد المعنى الاصطلاحي للتشريع. س8: للتشريع معنى واسع واخر ضيق، ناقش ذلك. س9: ماهي خصائص التشريع. س10: ماهي مزايا التشريع.؟ س11: