د. محمد عدنان علي الزبر*
ان ما دفعنا الى كتابة هذا المقال هو توضيح بعض الاثار التي تترتب على بعض المطالب المقدمة من قبل المتظاهرين، فمن خلال الرجوع الى تلك المطالب على اختلاف المحافظات التي صدرت عنها نجدها قد جاءت متقاربة من حيث بنودها ولكن ان كثيرا من تلك البنود قد تمت صياغتها من قبل عدد من الناشطين الذين ليس لهم اطلاع قانوني ملم بالإجراءات والاثار التي تترتب على كل مطلب فتراهم يصوغون ما رغبوا من المطالب -عن حسن نية- ولا يراعون في مطالبهم ما الذي يتطلبه كل مطلب من موقف وإجراء وما يرتبه من آثار وللقارئ الكريم عدد من الامثلة ليتضح عنده المقصد:
1- فعلي مستوى الجهة المُخاطبة: فان معظم المطالب قد أُعدت دون تحديد الجهة المسؤولة عن تنفيذها ما اذا كانت السلطة المحلية، أم المركزية؟ وعلى مستوى الاخيرة ما اذا كان المقصود منها السلطة التنفيذية ام التشريعية ام القضائية ام الهيئات المستقلة، في حين كان ينبغي في كل مطلب ان يتم تحديد الجهة المسؤولة عن تلبيته وبسقف زمني محدد لتُثار بعد ذلك مسؤوليته امام الشعب، اما اطلاق المطالب دون تحديد الجهة المعنية فيعني ذلك تنصل الجميع من مسؤوليتهم وينسب كل منهم تقصيره لغيره.
2- تعديل الدستور ام الغاء الدستور؟!: فهناك من طالب بتعديله وهناك من طالب بإلغائه، ولاشك بأن هنالك فرقا بين الحالتين، فاذا اردنا تعديل الدستور فيعني ذلك اننا نريد الدستور الحالي مع تعديله وفي هذه الحالة ينبغي ان نلتزم بأحكامه والاجراءات التي فرضها والجهة المعنية بتعديل الدستور ألا وهو مجلس النواب باقتراح مقدم من رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء مجتمعين أو خمس عدد أعضاء مجلس النواب (المادة 126 من الدستور) .. وهذا يعني ان هذا المطلب معلق لحين تشكيل مجلس النواب الجديد وليس من صلاحية الحكومة الحالية!
اما الغاء الدستور فهو أمر لا يتطلب الاجراءات المذكورة وانما يستطيع الشعب ان يلغي الدستور ويستبدله باخر استنادا الى فكرة استرداد السيادة على اساس ان الشعب هو مصدر السلطات وأساس الشرعية والمشروعية معا!!.
3- استبدال النظام البرلماني بالنظام الرئاسي: وهنا علينا ان نميز بين تعديل الدستور والغاء الدستور فاذا عدلنا الدستور فذلك يعني ضرورة تشكيل مجلس نواب جديد واتباع الاجراءات المنصوص عليها في الدستور التي ذكرناها، بمعنى اخر: ينبغي ان يكون لدينا رئيس جمهورية جديد ومجلس وزراء جديد يقترحون تعديل الدستور لاستبدال النظام البرلماني الى رئاسي ويصوت عليه مجلس النواب الجديد ليعرض على الشعب وبعد ذلك تتم المصادقة عليه، وهل يعقل بعد تشكيل الحكومة الجديدة التي تستغرق فترة طويلة من التشاورات والمساومات ان تتنازل ببساطة لتلغي نفسها وتجري انتخابات جديدة بناء على النظام الجديد (الرئاسي)!.
اما في حالة الغاء الدستور ووضع دستور جديد فلا يتطلب الاجراءات المذكورة وانما ُتشكل هيئة تأسيسية لوضع دستور جديد يتبنى النظام الرئاسي بدلا من البرلماني ومن ثم يُعرض للاستفتاء مباشرة على الشعب دون قيـود او مساومات.
4- الغاء مجالس المحافظات والحلقات الزائدة من الهيئات الرقابية كالنزاهة وهذا يتطلب الغاء النصوص الدستورية التي نصت عليها وفي هذه علينا ان نميز بين الغاء الدستور وتعديله تبعا لما ذكرناه اعلاه، وفي صدد مطلب الغاء مجالس المحافظات فانه ما يلفت الانتباه انه في الوقت الذي يطالب الشعب بالغاء مجالس المحافظات فانه في الوقت ذاته يطالبه بالخدمات!، وهنا يأتي الاستغراب اذ كيف نطلب الخدمات ممن نريد الغائه فعندما نطلب الخدمات من جهة ما، فهذا يعني ضمنا اننا نعترف بمشروعيته وضرورة بقائه!.
5- الارتفاع بسقف المطالب في ظل غياب الجهة المعنية بتلبيتها: كثير من المطالب لا يمكن تنفيذها الا بعد تشكيل الحكومة الجديدة والبرلمان الجديد، لان الحكومة الحالية هي حكومة تصريف اعمال وهي لم تعد أهلا لمواكبة عدد كثير من المطالب نظرا لطبيعتها المتمثلة “بتصريف الاعمال” كما لا يمكن التعويل عليها في اعلان حالة الطوارئ فهذا امر بعيد كل البعد عن شخصية السيد العبادي وبالتالي فان المطالب ينبغي الان وفي الوقت الحالي نظرا لغياب الجهة الفاعلة في تحقيقها ان تكون: اما الغاء الانتخابات واجراء انتخابات جديدة ومن ثم تلبية المطالب!، او المطالبة بالإسراع بتصديق نتائج الانتخابات وتشكيل حكومة وطنية نزيهة وقوية لتلبـــــي المطالب!، او الغاء الدســــــــتور وتشكيل هيئة تأسيســـية لتضع الدستور الجديد وتجرى انتخابات جديدة ومن ثم تشكيل حكومة جديدة تلبى المطالب!
. اما الارتفاع بسقف المطالب دون ان تكون هنالك جهة معنية بتطبيقها فهو لا يقدم ولا يؤخر ولا يؤدي الى نتيجة!!… لذلك احبائي لاسيما المعنيين بصياغة المطالب علينا عند وضع المطالب ان تكون مدروسة ومعقولة ومنظمة وليست مجرد تسطير كلام بعيد عن الواقع وتعبيرا عن مشاعر غاضبة تبحث عن الحل بأي طريقة دون رؤية قانونية ناجعة، لان ذلك سينعكس سلبا كما هو الحال في كل مظاهرة مضت، على مشاعر الناس ويجعلهم يشعرون بالإحباط لعدم التنظيم وغياب الرؤية القانونية السليمة، وبالتالي عدم تحقيق المطالب. فنكون كالتي نكثت غزلها من بعد قوةٍ انكاثا.
Comments
Post a Comment
يرجى مشاركة ارائكم ومقترحاتكم