التحكيم العشائري والتأسيس لدولة مدنية!
د. محمد
عدنان علي الزبر*
من المتعارف عليه
ان لكل مجتمع تجربته الخاصة به ولا يمكن نسخ تجارب الاخرين واستيرادها لأي مجتمع
ما لم تمر تلك التجارب عبر قناة قيم ومفاهيم هذا المجتمع أو ذاك، ولعل من أهم تلك
التجارب التي يدعوا اليها الناشطين ومن ورائهم السياسيين هي "الدولة المدنية"،
والتي يُقصد بها دولة المؤسسات لا دولة العلاقات، وسيادة مفهوم المؤسسة بدلا عن أي
مفهوم آخر، وهنا يُثار التساؤل: هل يمكن لدولة مثل العراق الذي سادت في مجتمعه
القبلية والعشائرية مئات السنين وتؤثر فيه المؤسسات الدينية تأثيراً لا يمكن
نكرانه ان يتحول بليلة وضحاها الى دولة مدنية (مؤسساتية) وينصهر المجتمع تحت لواء
المؤسسة وينسى بقية انتماءاته الدينية والاجتماعية بمجرد تبني مفهوم الدولة
المدنية؟، من يذهب على عُجالة الى الاجابة بالإيجاب فهو غارقا في وهمهِ، وبعيد كل
البعد عن الواقع الاجتماعي وبالتالي ستبقى أفكاره مجرد شعارات لا تجد لها من يُطبقها
وان طُبقت فان الفشل لها بالمرصاد!.
د. محمد عدنان علي الزبر*
من المتعارف عليه ان لكل مجتمع تجربته الخاصة به ولا يمكن نسخ تجارب الاخرين واستيرادها لأي مجتمع ما لم تمر تلك التجارب عبر قناة قيم ومفاهيم هذا المجتمع أو ذاك، ولعل من أهم تلك التجارب التي يدعوا اليها الناشطين ومن ورائهم السياسيين هي "الدولة المدنية"، والتي يُقصد بها دولة المؤسسات لا دولة العلاقات، وسيادة مفهوم المؤسسة بدلا عن أي مفهوم آخر، وهنا يُثار التساؤل: هل يمكن لدولة مثل العراق الذي سادت في مجتمعه القبلية والعشائرية مئات السنين وتؤثر فيه المؤسسات الدينية تأثيراً لا يمكن نكرانه ان يتحول بليلة وضحاها الى دولة مدنية (مؤسساتية) وينصهر المجتمع تحت لواء المؤسسة وينسى بقية انتماءاته الدينية والاجتماعية بمجرد تبني مفهوم الدولة المدنية؟، من يذهب على عُجالة الى الاجابة بالإيجاب فهو غارقا في وهمهِ، وبعيد كل البعد عن الواقع الاجتماعي وبالتالي ستبقى أفكاره مجرد شعارات لا تجد لها من يُطبقها وان طُبقت فان الفشل لها بالمرصاد!.
إذن ما الحل؟!،
الحل برأي الكاتب هو ان تمتزج القوى الاجتماعية في قالب الدولة الوضعية على نارٍ
هادئة ولفترة ليست قصيرة من الزمن حتى تذوب ماهية تلك القوى في ماهية الدولة أو
يتم ترويضها على المدنية ولا نكون بعد عهد من الذوبان الا امام سلطة واحدة ألا وهي
السلطة الوضعية، مع مراعاة طبيعة كل قوة والاداة الناجعة التي تقدر على الاذابة أو
الترويض وتقريب الرؤى على أقل تقدير!!، وعلى مستوى العشيرة فان التحكيم العشائري
هو اداة من أدوات مزج العشيرة بما تحملها من سلطة اجتماعية لفض المنازعات بسلطة
الدولة، على ان يكون هذا التحكيم تحت رقابة السلطة القضائية واشرافها.
فالتأسيس لدولة
مدنية في العراق لا يعني تجاهل باقي القوى الاجتماعية في المجتمع (لاسيما العشيرة
والمؤسسات الدينية) وانكارها بشكل مفاجئ! لان التجاهل دون معالجة جذرية يعني نمو
تلك القوى على حساب السلطات الوضعية وهو ما حصل ويحصل الان، فعلى الرغم من ان
الدولة العراقية قد مرت بها سلطات وضعية متعاقبة وصلت في أوج قوتها وسطوتها إلا ان
العشيرة بقت محافظة على كيانها الاجتماعي وتأثيرها وتراها كلما ضعفت الدولة برزت العشيرة
أقوى من ذي قبل، حتى صارت الدولة هي من تستعين بها عند الشدائد!!، ومن ينكر
التأثير العشائري في العراق فهو واهم!، لذلك عزيزي القارئ، إن بناء الدولة المدنية
في العراق تحتاج الى مدة طويلة من التخطيط الوضعي الجاد والتشريعات الناجعة، والحكومة
الفاعلة، والقضاء العادل، والتعليم المتقدم، نحو بناء تلك الدولة مع ترويض واخضاع باقي
القوى الاجتماعية لسلطة ورقابة السلطات الوضعية لاسيما (التنفيذية والقضائية)
واشرافها وصولا الى بناء مجتمع مدني فعلا لا مجرد شعارات وامنيات فارغة، والتحكيم
العشائري واحد من تلك الخطوات التي لو أُحسن التعامل معه واخضاعه لإشراف القضاء
كما ذكرنا طبقا لإجراءات التحكيم التي نظمها قانون المرافعات العراقي رقم 83 لسنة
1969 المعدل في المواد (251 – 276 )، ومن خلال اختيار اشخاص لهم تأثيرهم الاجتماعي
والسيرة التاريخية الحميدة والمعروفين بمواقفهم المؤثرة نحو فرض السلم الاجتماعي
عندما تغفل أو تعجر الدولة عنه!، والزامهم بتطبيق القانون الوضعي وإبعاد الاعراف
العشائرية التي تتعارض مع القانون، ذلك يعني وبمرور الزمن انصهار تلك القوى
الاجتماعية أو ترويضها على أقل تقدير تحت لواء الدولة الوضعية وقوانينها وتدريب
المجتمع على المدنية وتعويد العشيرة برؤسائها على الاستعانة دوما وابدا بالقوانين
الوضعية أو مع ما ينسجم ومبادئها العامة دون الخروج في جميع الحالات عن القواعد
الآمرة منها، حتى في اماكن فض منازعاتهم الاجتماعية (المضايف)، والفيصل في ذلك هو
القضاء مادام هو المعني بالرقابة والاشراف الذي أكدنا عليه.
ذلك خيراً من ترك
تلك القوى تعمل بعيدا عن الدولة فتأسس لنفسها كما فعلت دولة من المال والاتباع
والسلطة فنكون امام دُول في داخل الدولة، حتى يختلط علينا أيهما الدولة وأيهما
الرعية!، وأيهما التابع وأيهما المتبوع!، وكل ما تقدم يبقى رهنا بقوة الدولة
الوضعية ومشيئة وإرادة القائمين عليها!!.
للمزيد يُنظر الندوة القانونية التالية:
Comments
Post a Comment
يرجى مشاركة ارائكم ومقترحاتكم