Skip to main content

أيهما أفضل الدكتاتورية أم الفوضى ؟

العراقيون يتساءلون **


  د. محمد عدنان علي الزبر*

من يتصفح وسائل التواصل الاجتماعية على اختلافها ويطلع على الرأي العام العراقي، ومن يحضر المحافل الاجتماعية العراقية على اختلاف اماكنها سيجد معظم المناقشات التي تدور بين أفراد المجتمع العراقي على اختلاف طبقاتهم الاجتماعية وتوجهاتهم منقسم حول ادارة الدولة الى قسمين إلا مَن شذ وندر، منهم من يَحنُ الى الدكتاتورية ويترحم على عهدها، ومنهم من يبرر الفوضى ويمجدها!، فهنا يُثار أمامنا التساؤل التالي: لو أردنا اجراء مقارنة ما بين متناقضين أيهما أفضل من غيره؟!

الدكتاتورية؟

الدكتاتورية وما ترافقه من انتهاكات صارخة للحقوق الاساسية للإنسان والتي لطالما نُظر اليها _الدكتاتورية_ على انها السبب القوي والمباشر لإخلال الامن والسلم الدولي ودافعا قويا لاندلاع الحروب والنزاعات المسلحة الدولية ما دفع الامم المتحدة في ميثاقها بعدما ان حرمت الحرب تجدها تؤكد على حقوق الانسان وسيادة الشعوب، بعد تجربة مريرة دفعت العالم الى الاقتتال نتيجة رعونة الانظمة الدكتاتورية حينها (النازية الالمانية والفاشية الايطالية والامبراطورية اليابانية) التي دفعت مجتمعاتها الى تبني مفاهيم متطرفة ونظريات ثبت العلم خرافتها كانت نتاجها حرب عالمية ثانية راح ضحيتها الملايين من شعوب العالم، ولازالت الانظمة الدكتاتورية كما كانت على ديدنها تجر شعوبها الى الحروب والنزاعات المسلحة حتى الانهيار والعزلة الدولية.
الفوضى؟
اما الفوضى فهي لا تقل عن سابقتها خطورة لطالما أقلقت المجتمع الدولي وشغلت فكر الهيئات الدولية ونالت من جهودها ورقابتها بحذر شديد للدول التي يسودها الفوضى على علم مسبق ان الفوضى هي البيئة الملائمة لاندلاع أبشع النزاعات المسلحة الداخلية ما بين أفراد المجتمع الواحد والاقتتال فيما بينهم حتى الفناء أو الجزع!، فينعكس اثارها _الفوضى_ على سلم وامن المجتمع الدولي برمتهِ.
الدكتاتورية والفوضى وجهان لعملة واحدة!
 وبذلك فان الدكتاتورية والفوضى وجهان لعملة واحدة، كل منهما يؤدي الى الاخر ولو بعد حين، فالدكتاتورية بعد انهيارها أو سقوطها ستؤدي الى الفوضى لا محال، والفوضى ستساعد بمناسبة أو أُخرى على ظهور الدكتاتورية، كما هو الحال في المانيا بعد هزيمتهم في الحرب العالمية الاولى وعم الفوضى فيها الى ظهور النظام النازي والامثلة لغير ذلك لا يسعه المقام.
التأسيس لدولة قوية آمنة ومستقرة؟
وبذلك نصل الى نتيجة انه لا يمكن مع الدكتاتورية ولا الفوضى البناء لدولة قوية آمنة ومستقرة، فالدولة القوية يا سادتي ليس بالجيش الجرار الذي يصعب عده ومضاهاتهِ، وانما بشعبها الآمن بعدما ينالوا حقوقهم وكرامتهم ويعيشوا كما يليق بإنسانيتهم، ويؤكد لنا التأريخ كم من جيوش عظيمة انهارت كما تنهار الثلوج عندما يزورها الصيف اللاهب دون سابق انذار، لآنها ابتعدت عن شعوبها وانشغلت بطغيانها ويتجسد فيهم قوله تعالى: (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ) سورة الرعد الآية 17
والدولة الآمنة ليست بالدكتاتورية وانما بالثقة المتبادلة ما بين الحاكم والمحكوم ومسؤوليتهم جميعا اتجاه بلدهم والحرص كل الحرص على سلامة ارضه وعرضه وخيراته، اما الفوضى فمع بقائها فإنها ستؤدي الى انحدار القيم الاخلاقية في ذلك المجتمع وطغيان الفساد الاجتماعي حتى تكون السلطة الحاكمة مرآته العاكسة لملامحه المشوهة، فيصدق فيهم قول رسول الله (ص): “كيفما تكونوا يُولى عليكم”، حتى يصل بهم الامر الى أن يحنوا الى من يستبد بهم!!.
الخلاصة:
فلذلك يا أحبتي نقول لمن يحن الى الدكتاتورية ويطالب بإرجاعها!، ومن يطرب على الفوضى ويتمنى بقائها!، لا الدكتاتورية خير ولا الفوضى خيرا منها فجميعها عهوداً دفعنا ولازلنا ندفع ثمنها غاليا، وإنما الدولة مع حقوق الانسان وكرامة الانسان وانسانية الانسان خيراً وأبقى والعاقبة للمتقين.




** مقال نُشر عام 2018 في جريدة الزمان على الرابط التالي: https://www.azzaman.com/?p=237921

* باحث قانوني:

Comments

  1. اذا كانت هناك معلومات اضافية يريد القارئ الكريم اضافتها او تعديلها فذلك يسعد الباحث لتعم الفائدة على الجميع.

    ReplyDelete
  2. ممكن أن تكون الدكتاتورية أفضل من الفوضى لوجود بعض القوانين الصحيحة للحد من وجود الجريمة والتعدي على الصالح العام والخاص في الحكم الدكتاتوري

    ReplyDelete

Post a Comment

يرجى مشاركة ارائكم ومقترحاتكم

Popular posts from this blog

القدم الوظيفي المترتب عن الشكر والتقدير

                                        هل يترتب على الشكر والتقدير الصادر عن السيد رئيس مجلس الوزراء قدم لستة اشهر؟!   م.د. محمد عدنان علي تدريسي ومدير قسم الشؤون الادارية والمالية في جامعة جابر بن حيان للعلوم الطبية والصيدلانية                       لمقتضيات الوقوف على سياق اداري وقانوني سليم وحماية للمراكز القانونية للموظفين في احتساب مدد القدم نتيجة الشكر والتقدير الممنوح من قبل السيد رئيس مجلس الوزراء والسيد وزير التعليم العالي والبحث العلمي والسيد رئيس الجامعة نسطر ملاحظاتنا القانونية التالية: أولا: جاء في كتاب امانة مجلس الوزراء ذي العدد ق/ 2/ 5/ 27 / 07647 في 11/ 3/ 2020 ، إجابة عن عدد من التساؤلات: (ان الشكر الموجه من قبل السيد رئيس الوزراء يرتب قدما لمدة ستة اشهر)، وهو رأي قانوني غير سليم لم يتوفر فيه سندا   قانونيا   سوى قرار مجلس قيادة المنحل رقم 155 لسنة 2000 والذي جاء نصه : ( يرتب الشكر والتقدير الموجه من رئيس الجمهورية الى أي منتسب في الدولة قدما لمدة ستة اشهر لأغراض الترقية والترفيع والعلاوة وتغيير العنوان الوظيفي ولمدة سنة واحدة للأغراض نفسها في حال تكراره .

تعريف القاعدة القانونية وخصائصها.. عناصرها.. مصادرها

    د. محمد عدنان علي القاعدة القانونية قاعدة سلوك اجتماعية تنظم العلاقة ما بين الأشخاص  ملزمة ومقترنة بجزاء تفرض على من يخالفها من قبل السلطة العامة. القاعدة القانونية   خصائص القاعدة القانونية عناصر القاعدة القانونية مصادر القاعدة القانونية     خصائص القاعدة القانونية   ·                     القاعدة القانونية قاعدة سلوك اجتماعية. ·                     القاعدة القانونية عامة مجردة. ·                     القاعدة القانونية تنظم العلاقة ما بين روابط المجتمع. ·                     القاعدة القانونية ملزمة ومقترنة بجزاء تفرض على من يخالفها.   عناصر القاعدة القانونية : ·                      الفرض. ·                      الحكم.             مصادر القاعدة القانونية ·                      المصادر الرسمية أو الشكلية للقانون العراقي. ‌أ-                     التشريع. ‌ب-                 العرف. ‌ج-                   مبادئ الشريعة الاسلامية. ‌

عدد من أسئلة مادة المدخل لدراسة القانون المعنية بموضوع التشريع

(التشريع كمصدر من مصادر القانون)   د. محمد عدنان علي الزبر ملاحظات: ·        هذه الاسئلة تتعلق فقط بموضوع التشريع كمصدر من مصادر القانون. ·        هذه الاسئلة الغاية منها تسهيل الدراسة على الطالب فحسب ولا يُشترط ان يكون نمط الاسئلة الفصلية بذات الطريقة. ·        ينبغي قراءة الاجابة على تلك الاسئلة بتركيز لان فيها احكام قانونية مهمة. س1: هنالك ما يُعرف بالمصدر التاريخي، المصدر المادي، المصدر التفسيري واخيرا المصدر الرسمي للقانون. وضح كل منهما وأيا منهما يرتبط بالمشرع عند صياغة النص القانوني وايهما يرتبط بالقاضي عند تطبيقه. س2: عدد من حيث الاولوية المصادر الرسمية للقانون المدني العراقي. س3: عدد من حيث الاولوية المصادر الرسمية لقانون الاحوال الشخصية العراقي. س4: عدد من حيث الأولوية المصادر الرسمية للقانون الدستوري. س5: ما هو المصدر الرسمي لقانون العقوبات. س6: هل يعد العرف أو الدين مصدر من مصادر قانون العقوبات، ناقش ذلك. س7: حدد المعنى الاصطلاحي للتشريع. س8: للتشريع معنى واسع واخر ضيق، ناقش ذلك. س9: ماهي خصائص التشريع. س10: ماهي مزايا التشريع.؟ س11: