Skip to main content

فتش عن الاخلاق في الاممِ!

فتش عن الاخلاق في الاممِ!
(دراسة مقارنة بالقانون والدين)**


د. محمد عدنان علي الزبر*

لا يخفى على حضراتكم بأن الأخلاق والدين والقانون جميعها قواعد وُجدت لضبط السلوك الانساني على الرغم من اختلاف مصدر كل منها ونطاق تطبيقها، فكل منها يكمل الاخر للارتقاء بالإنسان نحو الكمال والمثل العليا، إلا ان ما يلفت انتباهنا ونحن في صدد تقييم أي مجتمع بشري نجد ان المعنيين بالدراسة والمقارنة يشغلون أنفسهم عند تقييم مجتمع ما من خلال النظر بعين قاعدة من تلك القواعد وبمعزل عن بقية القواعد الأخرى.
رجال الدين والعلمانيون، والبحث عن الكمال الانساني؟
فالمعنيين بالأديان وعلاقته بالنظام السياسي نجدهم يقيسون مدى انضباط المجتمع ورقيه من منطلق آثر الدين على المجتمع وعلاقته بالنظام السياسي دون النظر الى أخلاق أو قانون هذا المجتمع أو ذاك، فتراهم عندما يتكلمون عن المجتمعات التي سارت نحو فصل الدين عن السياسة (العلمانية)، ينسبون تقدم تلك المجتمعات الى هذا العامل (العلمانية) بعيداً عن بقية العوامل فيطالبون _ ومن منطلق الاقتداء بتلك المجتمعات_ بفصل الدين عن السياسة مكتفين بذلك المطلب ويعولون عليه لحل كافة المشاكل التي تلحق بالمجتمع البشري من ويلات وتخلف!.
رجال القانون والبحث عن المجتمع الناجع؟
بينما نجد المعنين بالقانون: وعند اعتمادهم الدراسة المقارنة ما بين قوانين المجتمعات البشرية يؤكدون بطريقة أو اخرى على ان التقدم البشري وتحقيق النظام في مجتمع ما، يعود الى تقدم ورقي قوانينهم التي تنظم العلاقة فيما بين افرادها، فتجدهم يتسارعون _من منطلق التقليد والمحاكاة_ الى تشريع قوانين مشابهة تماما لذات القوانين المعتمدة في المجتمعات التي قد قطعت شوطا متقدما في رقيها ونظامها والانضباط الذي يتحلى به افرادها، ظنا منهم بان جميع مشاكلهم الاجتماعية والفوضى التي يعيشون فيها سيتم حلها بتشريع هذا القانون أو ذاك!.
في حين كان الاجدر على المعنيين بالدين وكذلك القانون ألا يغفلوا أو يتغافلوا ما لِأثر الاخلاق على الدين والقانون معا ويعتمدوه معيارا لتقييم مجتمع ما مع مراعاة بقية قواعد السلوك الاخرى دون تجاهلها (الدين والقانون).
فضعف الاخلاق في مجتمع ما وان كان فيه دين (مجتمع متدين) ، وبغض النظر ما اذا كان الدين قد فصل ام لم يفصل عن السياسة يجعل الناس يتحايلون على الدين ويبررون انحراف سلوكياتهم بالحيل الدينية ويلتفون على النص الديني فيطبقون منه ما يتماشى مع رغباتهم وشهواتهم ويتركون سواه، وهو ما أكده القران الكريم بقوله تعالى: (أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون الى اشد العذاب) البقرة الآية 85.
وكذلك بالنسبة للقانون: فالمجتمعات التي تضعف فيها القيم الاخلاقية لا ينفعها تقدم قوانينها وحسن صياغتها، فالتحايل على القانون أو تعطيله عن التطبيق أو سوء تطبيقه ستكون لهذا القانون أو ذاك بالمرصاد! فلا ينفعها حينها قانونها ولا أحكامه!!.
فبالرغم من ان معظم دول العالم قد رفعت راية الانسان وحماية كرامته وحقوقه وان قوانينها أصبحت الان مشبعة بتنظيم حقوق الانسان وتؤكد على مبدأ المساواة ما بين بني البشر، إلا انه وعند الرجوع الى التطبيق، نجد ان الدول التي ضعفت فيها الاخلاق قد أصبحت قوانينها المعنية بالإنسان وحقوقه ماهي إلا حبرا على ورق!! فالإنسان فيها قد غيبت عنه حقوقه وسحقت كرامته حتى تجده ينسى أو يتناسى انسانيته واما التمييز والطبقية فتجدها سيدة الموقف!
فلسان حال الانسان فيها يقول *لبدوي الجبل:
نحن موتى ! و شرّ ما ابتدع الطغيان
موتى على الدّروب تسيرُ
نحن موتى ! و إن غدونا و رحنا
و البيوت المزوّقات قبورُ
 وتجد ان السياسة هي من تنتقي أي القوانين تُطبق وأيا منهم يغيب عن التطبيق، حتى صارت السياسة هي من تقرر والقانون ليس عليه إلا أن يبرر!.
وانعكاسا لذلك تجد ان افراد تلك المجتمعات يميلون الى التطرف والفوضى فترى الانسان فيها تارة يلجئ الى الدين ليسوغ من خلاله قتل أخيه الانسان طمعاً بالجنة وكأنما الجنة أصبح يُقاس ثمنها بالدماء وان الله قد خلق الجنة ليقتل الانسان اخيه الانسان!! أو تراه يقتل الانسان تحت مبرر تطبيق القانون وحقوق الانسان، فقيمة الانسان هنا تُقاس بالمصلحة لا بالإنسان، فلا غرابة اذن عندما تسمع ان الكثير من الدول قد سوغت قتل الانسان للمطالبة بحقوقه!!، حتى صار الانسان يستغيث ولسان حاله يقول لكم حقوقكم ولي حياتي اتركوني وشأني لأعيش بسلام!!.
فالأخلاق يا سادة: هي من ينبغي أن ننظر اليها ونفتش عنها عند تقييم مجتمع ما فاذا وجدت الاخلاق وجد الدين والقانون معاً، وضياع الاخلاق ضياع للدين والقانون معاً، فالدين بلا اخلاق سيكون مبرراً لإشباع غرائزنا.. والقانون بلا اخلاق سيكون حصنا لجرائمنا، وختام القول نقول صدق من قال * لأحمد شوقي:
إنما الاممُ الاخلاق ما بقيت
فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا

الخلاصة:

ومن خلال ماتقدم يبقى السؤال مثاراً: هل مانعانيه اليوم من مشاكل وازمات مرجعه الى الدين، حتى اذا طبقنا الدين بحرفيته كما يدعي رجال الدين أو اذا فصلناه عن السياسة كما يدعي العلمانيون تحقق كل ماتتمناه انفسنا وتُحل كل مشاكلنا الاجتماعية والانسانية؟، أم ان القانون هو الحل لكل مايعصيه حل فتكون مشاكلنا قد حُلت وازماتنا الانسانية والاجتماعية قد عُولجت بمجرد تبني هذه القاعدة القانونية أو تلك، أم ان الاخلاق هو الفيصل والمعيار لتُقاس من خلاله مدى تقدم المجتمعات الانسانية ورقيها،  ليأتي من بعد ذلك القانون والدين؟.
يقول الحبيب المصطفى "ص" انما بُعثت لاتمم مكارم الاخلاق، فهل نحن عند ظن رسولنا الحبيب؟!، الاخلاق ياسادة هو عندما يُعامل الانسان كإنسان بعيدا عن ألقابه وامتيازاته الاجتماعية، ويَحترم الانسان ماعليه ويُحترم ماله، حينها يمكن القول اننا الان على جادة النجاة.






** مقال منشور في جريدة الزمان بتأريخ 27/ 8/ 2018 متوفر على الرابط التالي:

Comments

Popular posts from this blog

القدم الوظيفي المترتب عن الشكر والتقدير

                                        هل يترتب على الشكر والتقدير الصادر عن السيد رئيس مجلس الوزراء قدم لستة اشهر؟!   م.د. محمد عدنان علي تدريسي ومدير قسم الشؤون الادارية والمالية في جامعة جابر بن حيان للعلوم الطبية والصيدلانية                       لمقتضيات الوقوف على سياق اداري وقانوني سليم وحماية للمراكز القانونية للموظفين في احتساب مدد القدم نتيجة الشكر والتقدير الممنوح من قبل السيد رئيس مجلس الوزراء والسيد وزير التعليم العالي والبحث العلمي والسيد رئيس الجامعة نسطر ملاحظاتنا القانونية التالية: أولا: جاء في كتاب امانة مجلس الوزراء ذي العدد ق/ 2/ 5/ 27 / 07647 في 11/ 3/ 2020 ، إجابة عن عدد من التساؤلات: (ان الشكر الموجه من قبل السيد رئيس الوزراء يرتب قدما لمدة ستة اشهر)، وهو رأي قانوني غير سليم لم يتوفر فيه سندا   قانونيا   سوى قرار مجلس قيادة المنحل رقم 155 لسنة 2000 والذي جاء نصه : ( يرتب الشكر والتقدير الموجه من رئيس الجمهورية الى أي منتسب في الدولة قدما لمدة ستة اشهر لأغراض الترقية والترفيع والعلاوة وتغيير العنوان الوظيفي ولمدة سنة واحدة للأغراض نفسها في حال تكراره .

تعريف القاعدة القانونية وخصائصها.. عناصرها.. مصادرها

    د. محمد عدنان علي القاعدة القانونية قاعدة سلوك اجتماعية تنظم العلاقة ما بين الأشخاص  ملزمة ومقترنة بجزاء تفرض على من يخالفها من قبل السلطة العامة. القاعدة القانونية   خصائص القاعدة القانونية عناصر القاعدة القانونية مصادر القاعدة القانونية     خصائص القاعدة القانونية   ·                     القاعدة القانونية قاعدة سلوك اجتماعية. ·                     القاعدة القانونية عامة مجردة. ·                     القاعدة القانونية تنظم العلاقة ما بين روابط المجتمع. ·                     القاعدة القانونية ملزمة ومقترنة بجزاء تفرض على من يخالفها.   عناصر القاعدة القانونية : ·                      الفرض. ·                      الحكم.             مصادر القاعدة القانونية ·                      المصادر الرسمية أو الشكلية للقانون العراقي. ‌أ-                     التشريع. ‌ب-                 العرف. ‌ج-                   مبادئ الشريعة الاسلامية. ‌

عدد من أسئلة مادة المدخل لدراسة القانون المعنية بموضوع التشريع

(التشريع كمصدر من مصادر القانون)   د. محمد عدنان علي الزبر ملاحظات: ·        هذه الاسئلة تتعلق فقط بموضوع التشريع كمصدر من مصادر القانون. ·        هذه الاسئلة الغاية منها تسهيل الدراسة على الطالب فحسب ولا يُشترط ان يكون نمط الاسئلة الفصلية بذات الطريقة. ·        ينبغي قراءة الاجابة على تلك الاسئلة بتركيز لان فيها احكام قانونية مهمة. س1: هنالك ما يُعرف بالمصدر التاريخي، المصدر المادي، المصدر التفسيري واخيرا المصدر الرسمي للقانون. وضح كل منهما وأيا منهما يرتبط بالمشرع عند صياغة النص القانوني وايهما يرتبط بالقاضي عند تطبيقه. س2: عدد من حيث الاولوية المصادر الرسمية للقانون المدني العراقي. س3: عدد من حيث الاولوية المصادر الرسمية لقانون الاحوال الشخصية العراقي. س4: عدد من حيث الأولوية المصادر الرسمية للقانون الدستوري. س5: ما هو المصدر الرسمي لقانون العقوبات. س6: هل يعد العرف أو الدين مصدر من مصادر قانون العقوبات، ناقش ذلك. س7: حدد المعنى الاصطلاحي للتشريع. س8: للتشريع معنى واسع واخر ضيق، ناقش ذلك. س9: ماهي خصائص التشريع. س10: ماهي مزايا التشريع.؟ س11: