داعش
دولة أم جماعة مسلحة؟**
ان
الدراسة في المركز القانوني للتنظيم الارهابي داعش للوقوف على نطاق المسؤولية
الجنائية لهذا التنظيم ولإفراده، فمن خلال استعراض بعض المقالات القانونية لاسيما
الاجنبية منها نراها تدفع لاعتبار هذا التنظيم دولة لغرض توسيع نطاق المسؤولية
ليشمل افراده ببعض الجرائم كجريمة العدوان واضفاء وصف النزاع المسلح الدولي على
النزاع القائم مع هذا التنظيم وبذلك يدفعنا الى التساؤل هل هذا التنظيم هو بالفعل
دولة كما يدعي وكما يتبنى جانب من الكتاب ام انه جماعات مسلحة؟!
عند
الرجوع الى المعنى الاصطلاحي للدولة[1]،
والتي يعود مدلولها للتعبير عن المجتمع السياسي المستقر التي عبرت عنه اللغة
اللاتينية بمصطلح (status)
والذي انتقل – فيما بعد- الى اللغات الاخرى لاسيما الاوربية بألفاظ مشتقة من ذات
المصدر كالإنكليزية (state)، والفرنسية (etat)، والاسبانية (estatos)، والايطالية (stato)، والتي تعني حالة أو طريقة العيش وهي لصيقة
لمعنى الثبات والاستقرار[2].
وعند
استعراض معظم التعاريف المعنية بمفهوم الدولة نجدها تؤكد على ما سبق ذكره، بأنها:
" مجموعة من الأفراد تستقر على إقليم معين تحت تنظيم خاص، يعطي جماعة معينة فيه
سلطة عليها تتمتع بالأمر والإكراه "[3].
وانها:"
مجموعة من الأفراد يقيمون بصفة دائمة في إقليم معين ، تسيطر عليهم هيئة منظمة استقر
الناس على تسميتها الحكومة"[4].
وانها:
"مجموعة من الأفراد يقيمون بصفة دائمة في إقليم معين وتسيطر عليهم هيئة حاكمة
ذات سيادة" [5].
وانها:
(جماعة كبيرة من الناس تقطن على وجه الاستقرار بقعة معينة من الكرة الارضية وتخضع لحكومة منظمة تتولى المحافظة على كيان
تلك الجماعة وتدير شؤونها ومصالحها العامة)[6].
فجميع
ما ذُكر من التعاريف وغيرها والتي لا يتسع المقام لإدراجها تعطي مؤشر ان الاستقرار
والثبات والتنظيم عناصر لا يمكن تجاهلها عند الحديث عن الدولة كمفهوم وكيان قانوني
ولعل ذلك وغيرها من العناصر ما يميز الدولة عن العديد من المفاهيم التي لا يرتقي
مدلولها الى مدلول الدولة، كالقبائل وان قطنت على رقعة جغرافية واضحة المعالم،
وكذلك الجماعات المسلحة التي تتخذ من اقليم دولة أو أكثر حصنا لها ومرتعا لأفرادها
لتدير من خلالها نزاعاتها المسلحة، وبذلك لا يمكن تصور التنظيم الارهابي داعش قد
انطبق عليه وصف الدولة وان احتل افراده حيزاً من الارض (من اقليم العراق وسوريا)
وحكموا من فيها تحت سطوة السلاح والتهديد.
ناهيك
عن افتقار التنظيم الى الاعتراف الدولي به كدولة والذي وان تجاهله البعض – أي
الاعتراف الدولي واثره في نشأة الدولة- واستبعده من أن يرتقي الى درجة الركن
للدولة، إلا انه يبقى – كحد ادنى- شرطاً مهما وفاعلا لاسيما عند الحديث عن اضفاء
الشخصية القانونية الدولية عليها ومن ثم انطباق القاعدة القانونية الدولية عليها
ومخاطبتها[7].
فمن
خلال ما تقدم وتأسيساً عليه فان التنظيم الارهابي داعش ما هو الا عبارة عن تنظيم
لجماعات مسلحة يتبعون الفكر السلفي الجهادي وينتشر افراده في العراق وسوريا، وبذلك
فان القاعدة القانونية أيا كان مصدرها (دولية أم وطنية) عندما تتجه لمخاطبة هذا
التنظيم، فإنها تخاطب الافراد المنتمين له كلا على حدة (كأفراد) بغض النظر عما
يدعون به أو يهدفون الى تحقيقه.
ان
البحث في المركز القانوني لتنظيم داعش ولإفراده لا يثير أي صعوبة في اطار القانون
الوطني الذي ترتكب الجرائم في نطاق اقليمه، فمبدأ اقليمية قانون العقوبات الوطني
سيد الموقف في ذلك اذ يسري على كل من يرتكب الجريمة في اطار اقليمه دون البحث
والعناء على جنسية مرتكبها او البحث عن الولاية القضائية الجنائية، في حين يُثار
النقاش عند البحث عن المركز القانوني الدولي لذلك التنظيم ولأفراده ومدى خضوعهم
للقانون المذكور ونطاق المسؤولية الدولية في مواجهتهم في ظل خلاف وتحجيم لمركز
الفرد في اطار القانون الدولي وتمسك الدول بسيادتها وتسعى جاهدةً لحماية من يحمل
جنسيتها والحيلولة دون خضوعه لغير قانونها.
[1] هنالك فارق كبير ما بين المعنى اللغوي
والاصطلاحي للدولة، ففي الوقت الذي يشير المفهوم الاصطلاحي المتعارف عليه في
الدراسات الاكاديمية للدولة بانه "الثبات والاستقرار لمجموعة من الناس
يقطنون في اقليم محدد ولسلطة منظمة"، نجد ان المعنى اللغوي للدولة يشير الى
العكس من ذلك فهو يعني كما ورد في لسان العرب أنها: "العُقْبة في المال
والحَرْب"، بمعنى الغلبة والظفر بهما، والدولة والدول بمعنى
"السُّنن التي تغيَّر وتُبدَّل" و "الدَّوْلةُ الفعل والانتقال من
حال إِلى حال" و "دُولة بينهم يَتَداوَلونه مَرَّة لهذا ومرة
لهذا"، وفي القاموس المحيط "الدَّوْلَةُ انْقِلابُ الزمانِ".
[2] أ.د رياض عزيز هادي: "مفهوم الدولة ونشؤها
عند ابن خلدون"، بحث منشور في مجلة العلوم السياسية، العدد 37، ص 78-79.
[4] و ما ذكره الدكتور بطرس غالي و
الدكتور خيري عيسى في المدخل في علم السياسة.
[7] نصت المادة الاولى من الاتفاقية الخاصة بحقوق
وواجبات الدول التي عقدتها الدول الامريكية في مونتفيديو في 22 كانون الاول سنة
1933، على انه: " يجب لكي تعتبر الدولة شخصاً من أشخاص القانون الدولي ان
تتوفر فيها الشروط الاتية: أ- شعب دائم. ب- اقليم معين. ج- حكومة. د- أهلية الدخول
في علاقات مع الدول الاخرى. يُنظر: د. عصام العطية: القانون الدولي العام، ط7
المنقحة، المكتبة القانونية، بغداد، 2008، ص 296.
Comments
Post a Comment
يرجى مشاركة ارائكم ومقترحاتكم