بيان مجلس القضاء الاعلى بشأن الدكة العشائرية: بين فقدان الاساس القانوني والضرورة الاجتماعية
صدر في الآونة الاخير بيان عن مجلس القضاء الاعلى اعتبر
فيه ان الدكة العشائرية كواقعة تنطبق عليها أحكام قانون مكافحة الارهاب وبالتحديد
المادة 4 بدلالة المادة 2 منه، وهي خطوة لقيت ترحابا اجتماعيا لما لهذه الظاهرة من
اثر انعكس على سلم وامن المجتمع العراقي لاسيما العاصمة بغداد، وقد جاء موقف
المجلس بطلب من قبل قيادة عمليات بغداد، ولم يكن هذا البيان الاول من نوعه فقد
سبقه بيانات اخرى من ابرزها اعتبار رمي العيارات النارية في المناسبات الاجتماعية
التي تؤدي الى مقتل اشخاص جريمة قتل عمد بعدما كان التعامل معها على انها جريمة
قتل خطأ[1].
وعلى الرغم من هذا التوجه لمواجهة الظواهر الاجتماعية
العراقية الخطيرة، إلا اننا من وجهة نظر قانونية وموضوعية علينا ان نثير التساؤلات
التالية: ما هو الاساس القانوني الذي بموجبه يمنح مجلس القضاء الاعلى اصدار مثل
هكذا بيانات؟، وماهي الطبيعة القانونية لهذه البيانات؟، وهل تحكم هذه البيانات
الوقائع والقضايا التي سبقت اصدارها والتي لم يحسمها القضاء بعد، أي رجعية البيات
الصادرة عن مجلس القضاء الاعلى على الماضي؟، وهل جاء هذا البيان مطابقا لأحكام
قانون مكافحة الارهاب العراقي رقم 13 لسنة 2005؟.
هل من مهام مجلس القضاء الاعلى اصدار
البيانات التفسيرية؟
ان تحقيق العدالة عموما تتطلب ان يتمتع القاضي
بالاستقلالية في عمله ولا تحكمه الا النصوص القانونية، وعلى الرغم من ذلك فان
القاضي يخضع اداريا لمجلس القضاء الاعلى والذي حل محل وزارة العدل وبذلك فان مجلس
القضاء الاعلى لا يمارس إلا المهام الادارية فضلا عن تشكيل المحاكم، ولا يُعنى
بالجانب الفني لعمل القضاة وما تصدر عنهم من أحكام قضائية، أما فنيا فان الاحكام
الصادرة عن القضاة فمرجعها المحكمة التمييزية فهي المرجع القانوني للقضاة والمعنية
بالجانب الموضوعي لتطبيق القضاة للقانون، فمحكمة التمييز هي الجهة المعنية بالنظر بالأحكام
القضائية وتصديقها او نقضها ان خالفت القانون، فضلا عن توحيد المبادئ القانونية
وتفسير النصوص القانونية بمناسبة الواقعة المنظورة من قبلها اذا ما أُريد تعميم مبدأ
قانوني ما، أو تفسير قانوني، وعلى الرغم من ذلك فان التفسير الذي تتبناه محكمة
التمييز لا يعد ملزما من الناحية القانونية على اعتبار ان العراق ليس من الدول
التي تأخذ بالسوابق القضائية، ولكن على الرغم من ذلك من الناحية العملية ونظرا
لمكانة محكمة التمييز في نفوس القضاة فان ما تطلقه من مبادئ وتفسير قانوني يكون
متبعا من قبل القضاة على الوقائع المشابهة المنظورة من قبلهم.
ولذلك وفي هذا الاطار علينا ان نتسائل، هل يجوز لمجلس
القضاء الاعلى كجهة ادارية عليا للقضاة ان تصدر البيانات لتعميم وصف قانوني على
واقعة معينة؟، الجواب ومن خلال الرجوع الى قانون مجلس القضاء الاعلى رقم 45 لسنة
2017 والمادة 3 منه المعنية بتحديد المهام[2]، فإننا
لا نجد ما يمنح المجلس المذكور هذه الصلاحية، وانما هي من صلاحية محكمة التمييز
كما ذكرنا عندما تُعرض عليها وقائع مشابهة، فإصدار البيانات يتنافى مع مهمة مجلس
القضاء الاعلى كما يخل باستقلال القضاء في تقدير الوقائع وتحديد وصفها القانوني
والذي تكفل الدستور بصيانته والذي نص في المادة (19/ 1): القضاء مستقل لا سلطان عليه
لغير القانون. لذا فان هذا البيان سيفقد حرية القاضي في تحديد الوصف القانوني
الملائم للواقعة وتقديرها تحقيقا للعدالة، كما ان اصدار مثل هكذا بيانات يعطي مؤشر
قد يساء فهمه ان القضاة عاجزون عن التعامل مع الوقائع إلا بعد تكليفهم ببيانات
صادرة عن الجهة الادارية العليا لهم، وان القضاء العراقي يتعامل مع الظواهر
الاجتماعية بردود الافعال ولا يستجيب لخطورتها إلا بعد توجيهه اداريا!
الطبيعة القانونية للبيانات الصادرة عن مجلس
القضاء الاعلى؟
أما السؤال الاخر المعني بطبيعة البيانات الصادرة عن
مجلس القضاء الاعلى، فهي ليست تشريعية على اعتبار ان مجلس النواب العراقي بموجب
الدستور هو المعني بالتشريع، وليس لمجلس القضاء هذه الصلاحية، كما ان البيانات
الصادرة عنه لا يمكن اعتبارها تفسيرية لان ليس من صلاحية مجلس القضاء الاعلى تفسير
القوانين، فتفسير القوانين موكول بمجلس الدولة (مجلس شورى الدولة سابقا)، والمحاكم
العراقية متمثلة بقُضاتها وعلى رأسها محكمة التمييز عندما تنظر في دعوى قضائية
معينة، لذا فان طبيعة هذا البيان: ما هو إلا توجه اداري صادر عن الجهة الادارية
العليا للقضاة، يتدخل في عملهم ويفرض عليهم توجه موحد نحو واقعة ما، وذلك يخل كما
ذكرنا باستقلال القضاء الموضوعي.
هل يسري البيان بأثر جعي على الوقائع التي
سبقته؟
بعد ان تعرفنا عن الموقف القانوني لإصدار مثل هكذا
بيانات نتسائل، هل يحكم البيان الصادر عن مجلس القضاء الاعلى الوقائع والقضايا
التي سبقت اصداره؟، الجواب نعم، فعلى الرغم من غياب الاساس القانوني
لمثل هكذا بيانات ولكنه توجه الجهة الادارية العليا للقضاة لا يمكن للقضاة تجاهله،
ولكن بقناعة الباحث انه لا يمكن للقضاة عندما يقوموا بتكييف واقعة الدكة
العشائرية بانها جريمة ارهابية ان يستندوا في احكامهم القضائية الى بيان مجلس
القضاء الاعلى، نظرا لغياب اساسه القانوني الملزم فالبيان المذكور كما اشرنا ليس
نصا قانونيا ملزما، كما انه ليس تفسيرا للقانون لان المعني بالتفسير هم القُضاة في
المحاكم في اطار القضايا المعروضة عليهم وليس من قبل مرجعهم الاداري الاعلى.
مدى مطابقة الدكة العشائرية لأحكام قانون
مكافحة الارهاب؟
اما بالنسبة لمدى مطابقة واقعة الدكة العشائرية لأحكام
قانون مكافحة الارهاب، فان القانون الاخير قد صُيغت نصوصه بطريقة واسعة المرونة
لدرجة ان بمقدوره ان يحكم عدد كبير من الوقائع، حتى نستطيع القول انه اختزل عدد
كبير من النصوص القانونية العقابية بمواده الست، ما جعل القضاء يتعامل بأريحية
تامة مع كافة الوقائع التي تهدد المجتمع ودون الحاجة لتدخل تشريعي!، لذلك يمكن
للقانون المذكور ان ينطبق على اي واقعة يُراد مكافحتها وما على المعني بتطبيقه الا
بالتوسع في التفسير وهو ما يحصل فعلا، وذلك لو اردنا معالجته موضوعيا وبنظرة
قانونية فان النصوص المرنة لقانون مكافحة الارهاب لا يمكن ان تتفق تماما مع مبدأ
مشروعية الجرائم والعقوبات التي تتطلب الصياغة الواضحة والمحددة للنصوص حتى لا يُساء
تطبيقه، وعلى العموم واستنادا لأحكام المادة 2 من القانون المذكور فان الفقرة 1
منه قد نصت على: (العنف او التهديد الذي يهدف
الى القاء الرعب بين الناس او تعرض حياتهم وحرياتهم وامنهم للخطر وتعريض اموالهم وممتلكاتهم
للتلف أيا كانت بواعثه واغراضه يقع تنفيذا لمشروع ارهابي منظم فردي او جماعي .)، وهذا النص كفيل
لينطبق على واقعة الدكة العشائرية وبالتالي اعتبارها جريمة ارهابية تخضع لأحكام
القانون المذكور.
أخيراً: ان التأسيس لدولة
المؤسسات تتطلب مراعاة الاختصاص والتعامل مع الوقائع والظواهر الاجتماعية بطريقة
ترسيخ المبادئ التفسيرية للقانون والاستقرار عليها نوعا ما، والتعامل بطريقة
الافعال وليس بردود الافعال حتى لا نعطي انطباعا قد يساء فهمه في ان مؤسسات
الدولة تتعامل مع الظروف والوقائع بطريقة آنية ومستعجلة لتلافيها دون التخطيط
المسبق لها أو دراستها بشكل متآني وحريص على ترسيخ القيم والمبادئ القانونية، والدستور العراقي حرص جاهدا وكذلك منظومتنا القانونية والقضائية على
الحرص كل الحرص على استقلال القضاء وفصل الجانب الاداري عن الوظيفة القضائية
للقاضي ليتمتع بقدر كبير من الحرية في تقدير الوقائع والحكم بمقتضاها، بعيدا عن متغيرات السياسة، وإلا فما المبرر بأن نفصل عمل القضاء عن وزارة العدل ونجعل للقضاء سلطة مستقلة تماما عن السلطة التنفيذية من خلال التأسيس "لمجلس القضاء الاعلى" ولاتُدار هذه السلطة إلا من قبل قاضي يتفهم المسؤولية التي تقع على عاتق أقرانه القضاة ومايتطلبه عملهم من استقلالية وحياد تحقيقا للعدالة، واصدار
بيانات من قبل مجلس القضاء الاعلى ستشعر القاضي بانه محكوم بوصف قانوني واحد ومصدر
هذا التحديد جهته الادارية العليا، في حين ان محكمة التمييز عن ذلك ليست ببعيدة.
المرفقات: نسخة من اعمام مكتب رئيس الاستئناف حول الاختصاص القضائي المعني بالنظر بالدكة العشائرية كجريمة ارهابية...
المرفقات: نسخة من اعمام مكتب رئيس الاستئناف حول الاختصاص القضائي المعني بالنظر بالدكة العشائرية كجريمة ارهابية...
يتولى مجلس القضاء الاعلى المهام الاتية :
اولا : ادارة شؤون الهيئات القضائية
ثانيا : الغيت .
ثالثا :الغيت .
رابعا : ترشيح رئيس محكمة التمييز الاتحادية و
قضاتها و رئيس هيئة الاشراف القضائي وارسال الترشيحات الى مجلس النواب للموافقة عليها
.
خامسا : الغيت .
سادسا : ترشيح المؤهلين للتعيين قضاة وارسال الترشيحات
الى رئاسة الجمهورية لإصدار مرسوم جمهوري بذلك .
سابعا : ترقية القضاة في المحاكم الاتحادية و
نقلهم و انتدابهم و اعادة خدمتهم وادارة شؤونهم الوظيفية وفقا للقانون .
ثامنا : تمديد خدمة القضاة واحالتهم الى التقاعد
و فقا للقانون
تاسعا : تشكيل الهيئات و اللجان القضائية في المحاكم
الاتحادية
عاشرا : اقتراح مشاريع القوانين المتعلقة في شؤون
السلطة القضائية الاتحادية
حادي عشر : عقد الاتفاقيات القضائية و متابعة
تنفيذها بالتنسيق مع وزارة العدل .
ثاني عشر : تأليف لجنة شؤون القضاة وفقا للقانون
.
Comments
Post a Comment
يرجى مشاركة ارائكم ومقترحاتكم