Skip to main content

الفساد ونطاق الجرائم الدولية دراسة تأملية مستقبلية


الفساد ونطاق الجرائم الدولية )دراسة تأملية(


د. محمد عدنان علي الزبر[1]
كما يعلم القارئ الكريم أو لعلمه ان الجرائم الدولية التي نص عليها النظام الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي والمحاكم الدولية المؤقتة (يوغسلافيا ورواندا) والمحاكم المُدولة كمحكمة لبنان وغيرها هي أربعة جرائم، تتمثل بجرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية وجرائم الابادة الجماعية وجريمة العدوان، والجرائم الثلاث الاولى أكثر تنظيما وتجريما من الاخيرة (العدوان) لأسباب قانونية وسياسية لا يسمح المقام لذكرها.
وان الجرائم المذكورة وغيرها من الجرائم نشأت نتيجة الممارسة الدولية مع الشعور بإلزامية تلك الممارسة أي بموجب العرف الدولي وان وثقها المجتمع الدولي وصاغ معظم احكامها باتفاقيات دولية يبقى العرف سيد الموقف وصاحب الفضل في تنظيم تلك الجرائم وتطويرها وتوسع نطاقها التجريمي والعقابي والفضل جل الفضل يعود الى المحاكم الدولية والمُدولة التي ساهم فيها قُضاتها المشهود لهم بالكفاءة القانونية الكبيرة الذين ساهموا في ايجاد وتطوير القواعد القانونية التي تجرم افعال ترتقي الى وصف الجرائم الدولية وتحديد العقوبة المناسبة لها، من خلال الاستعانة بنظام المحكمة التي تشكلت بموجبه والممارسات والاتفاقيات الدولية، والقضاة عندما يحددون القاعدة القانونية لاسيما العرفية يكون ذلك بمقتضى الحاجة لإيجادها لتنطبق على الواقعة المنظور فيها من قبل المحكمة الدولية أو المُدولة.

وارتباطا بما تقدم وجوهر هذا المقال يُثار التساؤل الاتي: لو تشكلت اليوم أو في المستقبل القريب محكمة دولية أو مُدولة في العراق للنظر في الجرائم الدولية المُرتكبة فيه من سنة 2003 وحتى تأريخ تشكيل المحكمة، هل سيدخل الفساد ضمن تلك الجرائم الموصوفة بالدولية أم سيبقى اختصاص المحكمة المؤمل تشكيلها على الجرائم الدولية التقليدية التي ذكرناها في صدر المقال؟.

لا يستطيع كاتب هذه السطور ان يستقرء الواقع الدولي وتطلعه وما يخبئه لمصير العراق بشكل يمكن معه الجزم واليقين، ولكن بتصوره ونظرا للحاجة الملحة لاعتبار مثل جرائم الفساد جريمة دولية بشكلها الصريح او الضمني انه لو تشكلت مثل هكذا محكمة ويغلب الظن انها ستكون مُدولة لا دولية أي تتكون من قضاة عراقيين ودوليين كما هو الحال في لبنان، في ظل الظروف والوقائع الحاصلة في العراق فان موضوع الفساد الاداري والمالي سيكون سيد الموقف وبطل القصة ولا يخلو تحقيق او حكم قضائي منه، سواء باعتباره الباعث الدافع لارتكاب العشرات من الجرائم الدولية التقليدية التي اشرنا اليها في مقدمة المقال، او مساعدا لارتكابها، او باعتباره جريمة دولية مستقلة تُضاف الى الجرائم المذكورة بالإضافة الى جريمة الارهاب كما حصل في لبنان عندما اضيفت الجريمة الاخيرة الى مصاف الجرائم الدولية التقليدية للنظر فيها (باستثناء العدوان لم يُذكر).

وهنا يُثار السؤال الاهم والاخير: هل يمكن ان يكون الفساد جريمة دولية مستقلة؟ 

يستطيع الباحث ان يجيب عن ذلك بالإيجاب من خلال اطلاعه على عدد من الاحكام القضائية الوطنية في دول اخرى استنادا لتشريعاتها الوطنية، ولكن اعتمادها على مستوى القضاء الدولي أو المُدول يحتاج الى استقرار الممارسات الدولية التي تؤيد ذلك ويكون هذا من خلال الاستعانة بالأحكام القضائية الوطنية وغيرها من الممارسات التي يستطيع القضاة الركون اليها للتأكد من وجود قاعدة قانونية دولية  تضفي الصفة الدولية على جرائم الفساد وكل ذلك مرهون بالأيام وما يخبئه لنا القدر والارادة الدولية من مفاجئات لا يعلم بها إلا الله والراسخون في السياسة وان كانت ملمحها غدت تلوح في الافق وتشير الى ان المرحلة القادمة هي مرحلة تحقيق العدالة الجنائية الدولية في العراق، والله أعلم.

Comments

Popular posts from this blog

القدم الوظيفي المترتب عن الشكر والتقدير

                                        هل يترتب على الشكر والتقدير الصادر عن السيد رئيس مجلس الوزراء قدم لستة اشهر؟!   م.د. محمد عدنان علي تدريسي ومدير قسم الشؤون الادارية والمالية في جامعة جابر بن حيان للعلوم الطبية والصيدلانية                       لمقتضيات الوقوف على سياق اداري وقانوني سليم وحماية للمراكز القانونية للموظفين في احتساب مدد القدم نتيجة الشكر والتقدير الممنوح من قبل السيد رئيس مجلس الوزراء والسيد وزير التعليم العالي والبحث العلمي والسيد رئيس الجامعة نسطر ملاحظاتنا القانونية التالية: أولا: جاء في كتاب امانة مجلس الوزراء ذي العدد ق/ 2/ 5/ 27 / 07647 في 11/ 3/ 2020 ، إجابة عن عدد من التساؤلات: (ان الشكر الموجه من قبل السيد رئيس الوزراء يرتب قدما لمدة ستة اشهر)، وهو رأي قانوني غير سليم لم يتوفر فيه سندا   قانونيا   سوى قرار مجلس قيادة المنحل رقم 155 لسنة 2000 والذي جاء نصه : ( يرتب الشكر والتقدير الموجه من رئيس الجمهورية الى أي منتسب في الدولة قدما لمدة ستة اشهر لأغراض الترقية والترفيع والعلاوة وتغيير العنوان الوظيفي ولمدة سنة واحدة للأغراض نفسها في حال تكراره .

تعريف القاعدة القانونية وخصائصها.. عناصرها.. مصادرها

    د. محمد عدنان علي القاعدة القانونية قاعدة سلوك اجتماعية تنظم العلاقة ما بين الأشخاص  ملزمة ومقترنة بجزاء تفرض على من يخالفها من قبل السلطة العامة. القاعدة القانونية   خصائص القاعدة القانونية عناصر القاعدة القانونية مصادر القاعدة القانونية     خصائص القاعدة القانونية   ·                     القاعدة القانونية قاعدة سلوك اجتماعية. ·                     القاعدة القانونية عامة مجردة. ·                     القاعدة القانونية تنظم العلاقة ما بين روابط المجتمع. ·                     القاعدة القانونية ملزمة ومقترنة بجزاء تفرض على من يخالفها.   عناصر القاعدة القانونية : ·                      الفرض. ·                      الحكم.             مصادر القاعدة القانونية ·                      المصادر الرسمية أو الشكلية للقانون العراقي. ‌أ-                     التشريع. ‌ب-                 العرف. ‌ج-                   مبادئ الشريعة الاسلامية. ‌

عدد من أسئلة مادة المدخل لدراسة القانون المعنية بموضوع التشريع

(التشريع كمصدر من مصادر القانون)   د. محمد عدنان علي الزبر ملاحظات: ·        هذه الاسئلة تتعلق فقط بموضوع التشريع كمصدر من مصادر القانون. ·        هذه الاسئلة الغاية منها تسهيل الدراسة على الطالب فحسب ولا يُشترط ان يكون نمط الاسئلة الفصلية بذات الطريقة. ·        ينبغي قراءة الاجابة على تلك الاسئلة بتركيز لان فيها احكام قانونية مهمة. س1: هنالك ما يُعرف بالمصدر التاريخي، المصدر المادي، المصدر التفسيري واخيرا المصدر الرسمي للقانون. وضح كل منهما وأيا منهما يرتبط بالمشرع عند صياغة النص القانوني وايهما يرتبط بالقاضي عند تطبيقه. س2: عدد من حيث الاولوية المصادر الرسمية للقانون المدني العراقي. س3: عدد من حيث الاولوية المصادر الرسمية لقانون الاحوال الشخصية العراقي. س4: عدد من حيث الأولوية المصادر الرسمية للقانون الدستوري. س5: ما هو المصدر الرسمي لقانون العقوبات. س6: هل يعد العرف أو الدين مصدر من مصادر قانون العقوبات، ناقش ذلك. س7: حدد المعنى الاصطلاحي للتشريع. س8: للتشريع معنى واسع واخر ضيق، ناقش ذلك. س9: ماهي خصائص التشريع. س10: ماهي مزايا التشريع.؟ س11: