Skip to main content

الاعتداء على متظاهري العراق 1 تشرين الاول: جرائم بوصف دُولي وتطبيق وطني مختلف!


الاعتداء على المتظاهرين: 

جرائم بوصف دُولي وتطبيق وطني مختلف!

د. محمد عدنان علي الزبر
دكتوراه قانون جنائي دولي
الجرائم التي أُرتكبت بحق المتظاهرين  جريمة ضد الانسانية طبقا للوصف القانوني الدولي لها ولكن لما كان العراق ليس طرفا في النظام الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية الواقعة في لاهاي ولم يعتمد في تشريعاته الوطنية تجريما للوقائع التي تشكل جرائم ضد الانسانية باستثناء قانون المحكمة الجنائية العليا والذي انتهى العمل به لتعلقه بسقف زمني محدد متمثل بالجرائم الواقعة منذ سنة 1968 وحتى 2003، فان الجرائم التي ترتقي لوصف جرائم دُولية تخضع لوصف قانوني مختلف في العراق ويحكمها قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 المعدل وهذا يدل مرة اخرى ليست هي الاولى عن عجز التشريع العراقي من مواكبة الوقائع الفظيعة التي نظمها القانون الدولي ووضع لها اركان خاصة بها كجريمة الابادة الجماعية وجرائم الحرب وكذلك الجرائم ضد الانسانية موضوع هذا المقال.

الجرائم المرتكبة في العراق جرائم دُولية في وصفها وعادية عند المعاقبة عليها؟!

على الرغم من الجرائم التي ارتكبت بحق المتظاهرين تعد جريمة دولية (جرائم ضد الانسانية) إلا ان التشريع العراقي ومن ورائه القضاء العراقي يتعامل معها على انها جرائم عادية بسبب غياب التشريعات الكفيلة للتعامل مع الوقائع الفظيعة بانها جرائم دولية ولم تكن هذه الجريمة هي الاولى التي تم التعامل معها على انها جرائم عادية وانما سبقته عشرات الجرائم المرتكبة بحق الشعب العراقي التي ترتقي لمستوى الجرائم الدولية وتم التعامل معها على انها جرائم عادية كالجرائم المرتكبة من قبل التنظيم داعش والذي يتم محاكمة افراده وفق قانون مكافحة الارهاب رقم 13 لسنة 2005 وتعامل جرائمه كجرائم ارهابية وليست جرائم دولية (جرائم ضد الانسانية، جريمة ابادة جماعية، جرائم حرب، جريمة عدوان) وكذلك الحال بالنسبة لجرائم تنظيم القاعدة وغيره فجميعها وغيرها تم التعامل معها على انها جرائم عادية رغم ان المجتمع الدولي يتعامل معها على انها جرائم دولية فظيعة وجسيمة، وقضائنا العراقي بحكم العجز التشريعي وتقيده بمبدأ مشروعية الجرائم والعقوبات مُرغم على التعامل مع جميعها بانها جرائم عادية واضفاء الوصف القانوني الخاطئ لوقائع هزمت ضمير البشرية وأدمته!
وفي صدد الحديث عن الجرائم التي أُرتكبت بحق المتظاهرين فإنها تعد جريمة قتل عمد يعاقب بمقتضاها الجاني بموجب أحكام المادة 406 اذا اقترن فعله بسبق الاصرار او الترصد او استخدم مادة متفجرة او متفرقعة فادت الى القتل او ادى فعله الى مقتل شخصين او اكثر وغيرها من الظروف المنصوص عليها في المادة المذكورة، والعقوبة بموجب المادة المذكورة هو الاعدام شنقا حتى الموت او الاعدام او السجن المؤبد في حال توفر ظرف من الشق الثاني للمادة المذكورة، كأن يكون الجاني قاصدا قتل شخص فادى فعله لمقتل شخصين فاكثر، وفي حال كان القتل ناجم عن حالة انفعال آني نتيجة الاعتداء عليه فان المادة 405 هي الاقرب للحكم والتي جاء نصها ان من قتل نفسا عمدا يعاقب بالسجن المؤبد او المؤقت، والسجن المؤبد في القانون العراقي عشرون سنة اما المؤقت فما يزيد عن خمسة سنوات وحتى خمسة عشر سنة، ذلك اذا كان الاعتداء قد نجم عنه قتل وتحققت النتيجة ألا وهي الوفاة.
اما في بالنسبة للاعتداءات التي لم ينجم عنها الوفاة فان المادة 413 هي المعنية بها وعقوبتها الحبس او المادة 312 اذا نجم عن الاعتداء عاهة مستديمة وعقوبتها السجن المؤقت، أو الشروع بالقتل بدلالة المادة 31 من قانون العقوبات العراق النافذ والعقوبة هي السجن المؤبد أو المؤقت أو الحبس بحسب الاحوال والظروف والمادة القانونية التي اقترن بها الشروع.
ان المُسائلة الجزائية في هذه الحالات لا تقتصر على من باشر بارتكاب الفعل المادي وانما تتعدى لكل من امر بارتكابه و/ أو رضي ارتكاب الفعل ولا يمكن التهرب من المسؤولية وتبريرها او التهرب عنها بذريعة عدم العلم او اعطاء توجيهات مسبقة ينافيها الواقع وتجحضها الادلة، لاسيما اذا ما علمنا ان الجرائم ضد الانسانية من أبرز اركانها (بالنسبة لمن يسعى الى تضييق نطاقها كالدكتور محمود شريف بسيوني وغيره) أو شروطها (من يريد من توسيع نطاق انطباقها كلجنة القانون الدولي وغيرها من الممارسات الدُولية)، هي ان تلك الجريمة (ضد الانسانية) تعكس سياسة الدولة او الجهات المنظمة التي تنضوي تحت امرتها او تتفق مع سياستها، وان ارتكاب الفعل يكون بشكل واسع من حيث عدد الضحايا و/ أو ممنهج من حيث الوسائل المتبعة بارتكاب الجريمة ولا احد ينكر ان الجرائم التي أُرتكبت بحق المتظاهرين من قنص وتعنيف واعتداء كان ارتكابها ممنهجا ومدروسا ولا يمكن التعامل معها على انها قد جرت بصورة عفوية وانية وغير مسؤولة، فما بال القارئ الكريم ان تلك الوسائل الممنهجة نجم عنها اثار واسعة الاثر من قتل وايذاء.

القضاء الوطني أم هناك قضاءا أخر سينظر بجرائم المتظاهرين؟!

ان من ارتكب الجرائم او ساهم فيها مسائل امام القانون والقضاء أيا كان مصدره (وطني أو دولي أو مختلط)!! وعلى مستوى القضاء المعني بالنظر بتلك الجرائم وغيرها فإننا لا نعلم مجرى الاحداث في المستقبل القريب واي القضاء سيُعنى بمحاكمة من ارتكبوا تلك الجرائم وغيرها من الجرائم التي لم ينال المتهمين فيها جزائهم العادل، هل القضاء الوطني ام الدولي بقرار من مجلس الامن استنادا للبند السابع من ميثاق الامم المتحدة، ام المختلط ونقصد به ان تتشكل المحكمة من قضاة وطنيون (عراقيون) واخرون اجانب يتمتعون بخبرة قانونية كبيرة لاسيما بأحكام القانون الدولي ويكون ذلك بقرار من مجلس الامن او وفقا لإجراءات يفرضها الواقع الدولي والوطني، لا يمكن التنبؤ بها فهي مرهونة بمجريات الاحداث المستقبلية لا سامح الله، مع الاشارة الى انه في حال نظر قضاء وطني لدولة اخرى غير العراق للجرائم الواقعة على المتظاهرين في العراق، فان ذلك القضاء لايمكن ان ينظر الى تلك الجرائم إلا استنادا لمبدأ العالمية أو المبدأ الشامل على اعتبار ان تلك الجرائم المُرتكبة في العراق جريمة بوصف دُولي والاختصاص المذكور طبقا للعرف الدولي لايمكن ان يتحقق إلا اذا كان المتهم متواجدا في إقليم تلك الدولة ويشترط كذلك ان تكون الجرائم الدولية لاسيما الجرائم الدولية منظمة بتشريع وطني في تلك الدولة (ليس كما هو الحال في العراق وعدد من الدول العربية وغيرها)، وان يكون اختصاصها العالمي يتسع نطاقه للنظر في الجرائم الدولية (ليس كما هو الحال بالنسبة للقانون العراقي اذ لايدخل في اختصاصه الشامل المادة 14 النظر في الجرائم الدولية المرتكبة خارج اقليم العراق!).
وعلى العموم وفي نهاية المقال نشير الى امر في غاية الاهمية في ظل التحشيد لتظاهرات شعبية من المؤمل انطلاقها بتأريخ 25/ 10/ 2019 ونؤكد ان ارتكاب تلك الجرائم من قبل بعض حملة السلاح وقوة الامن لا يعني ان جميع قوى الامن على اختلاف صنوفها قد ساهموا بها او رضوا عنها فكثيرا منهم ابناء هذا البلد وغيرتهم لا تقل شأنا عن غيرة اي شاب وطني دافع بصدره لنيل الحقوق، والتظاهرات القادمة بعونه تعالى أيا كان مطلبها وموعدها ستبقى قوتها بسلميتها وحضارة شبابها الوطني والغيور، وبلا شك تحقيق العدالة بحق من اعتدى على قوة الكلمة سوف تتصدر تلك المطالب، واخر دعوانا حفظ الله العراق وشعبه، ورحم الله الشباب الغيورين شهداء القضية وسفينة الحرية ومفتاح نيل الحقوق.

Comments

Popular posts from this blog

القدم الوظيفي المترتب عن الشكر والتقدير

                                        هل يترتب على الشكر والتقدير الصادر عن السيد رئيس مجلس الوزراء قدم لستة اشهر؟!   م.د. محمد عدنان علي تدريسي ومدير قسم الشؤون الادارية والمالية في جامعة جابر بن حيان للعلوم الطبية والصيدلانية                       لمقتضيات الوقوف على سياق اداري وقانوني سليم وحماية للمراكز القانونية للموظفين في احتساب مدد القدم نتيجة الشكر والتقدير الممنوح من قبل السيد رئيس مجلس الوزراء والسيد وزير التعليم العالي والبحث العلمي والسيد رئيس الجامعة نسطر ملاحظاتنا القانونية التالية: أولا: جاء في كتاب امانة مجلس الوزراء ذي العدد ق/ 2/ 5/ 27 / 07647 في 11/ 3/ 2020 ، إجابة عن عدد من التساؤلات: (ان الشكر الموجه من قبل السيد رئيس الوزراء يرتب قدما لمدة ستة اشهر)، وهو رأي قانوني غير سليم لم يتوفر فيه سندا   قانونيا   سوى قرار مجلس قيادة المنحل رقم 155 لسنة 2000 والذي جاء نصه : ( يرتب الشكر والتقدير الموجه من رئيس الجمهورية الى أي منتسب في الدولة قدما لمدة ستة اشهر لأغراض الترقية والترفيع والعلاوة وتغيير العنوان الوظيفي ولمدة سنة واحدة للأغراض نفسها في حال تكراره .

تعريف القاعدة القانونية وخصائصها.. عناصرها.. مصادرها

    د. محمد عدنان علي القاعدة القانونية قاعدة سلوك اجتماعية تنظم العلاقة ما بين الأشخاص  ملزمة ومقترنة بجزاء تفرض على من يخالفها من قبل السلطة العامة. القاعدة القانونية   خصائص القاعدة القانونية عناصر القاعدة القانونية مصادر القاعدة القانونية     خصائص القاعدة القانونية   ·                     القاعدة القانونية قاعدة سلوك اجتماعية. ·                     القاعدة القانونية عامة مجردة. ·                     القاعدة القانونية تنظم العلاقة ما بين روابط المجتمع. ·                     القاعدة القانونية ملزمة ومقترنة بجزاء تفرض على من يخالفها.   عناصر القاعدة القانونية : ·                      الفرض. ·                      الحكم.             مصادر القاعدة القانونية ·                      المصادر الرسمية أو الشكلية للقانون العراقي. ‌أ-                     التشريع. ‌ب-                 العرف. ‌ج-                   مبادئ الشريعة الاسلامية. ‌

عدد من أسئلة مادة المدخل لدراسة القانون المعنية بموضوع التشريع

(التشريع كمصدر من مصادر القانون)   د. محمد عدنان علي الزبر ملاحظات: ·        هذه الاسئلة تتعلق فقط بموضوع التشريع كمصدر من مصادر القانون. ·        هذه الاسئلة الغاية منها تسهيل الدراسة على الطالب فحسب ولا يُشترط ان يكون نمط الاسئلة الفصلية بذات الطريقة. ·        ينبغي قراءة الاجابة على تلك الاسئلة بتركيز لان فيها احكام قانونية مهمة. س1: هنالك ما يُعرف بالمصدر التاريخي، المصدر المادي، المصدر التفسيري واخيرا المصدر الرسمي للقانون. وضح كل منهما وأيا منهما يرتبط بالمشرع عند صياغة النص القانوني وايهما يرتبط بالقاضي عند تطبيقه. س2: عدد من حيث الاولوية المصادر الرسمية للقانون المدني العراقي. س3: عدد من حيث الاولوية المصادر الرسمية لقانون الاحوال الشخصية العراقي. س4: عدد من حيث الأولوية المصادر الرسمية للقانون الدستوري. س5: ما هو المصدر الرسمي لقانون العقوبات. س6: هل يعد العرف أو الدين مصدر من مصادر قانون العقوبات، ناقش ذلك. س7: حدد المعنى الاصطلاحي للتشريع. س8: للتشريع معنى واسع واخر ضيق، ناقش ذلك. س9: ماهي خصائص التشريع. س10: ماهي مزايا التشريع.؟ س11: