تعديل أم تبديل
الدستور
لتبني نظام سياسي
جديد في العراق
د. محمد عدنان علي
الزبر
في ظل تزاحم وتسارع الاحداث السياسية بعد تظاهرات تشرين
الاول والثاني من سنة 2019 وتصاعد المطالب
لتبني نظام سياسي جديد وتأكيد المرجعية في النجف بخطبتها في 1/ 11/ 2019 على دور
ارادة الشعب في تبني نظام سياسي جديد وتزاحم المقترحات الدستورية لحل الازمة
وتلبية لمطالب الشعب العراقي وفي الوقت الذي نبدي فيه جل احترامنا لجميع الآراء
وتقديرنا لكل الحلول المقدمة لتلبية طموح المتظاهرين ولكن ينبغي التنويه لما يأتي:
1-
ان تعديل
الدستور يعني الابقاء على النظام السياسي القائم وما يحمله من مفاهيم ورؤى
سياسية وايدلوجية والابقاء على النظام #البرلماني وليس #الرئاسي أو غيره من
الانظمة السياسية، لان #الدستور كمفهوم وغاية معني بتحديد العلاقة ما بين
السلطات وفي اطار هذه العلاقة يتم تحديد نوع النظام السياسي للدولة، ما اذا
كان برلماني ام رئاسي ام مختلط ام غيره من الانظمة، فاذا ارتضينا تعديل الدستور يعني
اننا نرتضيه كدستور سبق وقد حسم تحديد العلاقة ما بين السلطات لتكون العلاقة بنظام
برلماني وارتضينا الاجراءات والقيود والثغرات والفجوات التي تعتريه، وفي حال تبني
نظام سياسي جديد في ظل الدستور القائم سيجعل الدستور العراقي دستورا مشوها و
(ترقيعيا) يفتقر للرؤية الواضحة ويضعف النظام السياسي أكثر مما هو عليه الان، نظرا
لان نصوص الدستور ينبغي ان تكون متناسقة منذ المادة الاولى وحتى الاخيرة، فيصاغ
الدستور بعد ان يتم الاتفاق على تحديد النظام السياسي والمركز القانوني لكل سلطة،
وبذلك فان تحديد النظام السياسي ينبغي تحديده قبل الشروع في كتابة الدستور!،
فكيف لنا ان نعدل الدستور لتبني نظام سياسي جديد والذي بلا شك سيتجه نحو تغليب كفة
السلطة التنفيذية تلبية لواقع الشارع العراقي وما عانه من ضعف الدولة وغياب القرار
أو ضعفه في مواكبة الواقع العراقي واصلاحه، في دستور تبنى واضعيه النظام البرلماني
مع تغليب السطلة التشريعية على باقي السلطات لاسيما التنفيذية!.
2-
بمعنى أخر، ان الغاية من
الدستور هو تبني نظام سياسي معين فالدستور غايته الاساسية هو تحديد طبيعة ونوع
النظام السياسي ما اذا كان برلماني ام رئاسي أم مختلط أم غيره، وذلك من خلال تحديد
العلاقة القائمة ما بين السلطات، فتلك هي غاية الدستور فضلا عن تحديد شكل الدولة
ومركز الكيانات الاقليمية التي في داخله ما اذا كانت اقاليم ام محافظات، أي ما اذا
كانت دولة اتحادية أو موحدة، مع بعض المواضيع الاخرى المعنية بالنظام السياسي وما عداها
لا تدخل ضمن مواضيع الدستور وان وُضعت بعض المواضيع فهي رغبة من قبل واضعي الدستور
لإضفاء عليها نوعا من العلو والاحترام والحيلولة دون مصادرتها او تغيرها من قبل
المشرع العادي، كما حول الحال بالنسبة لمبادئ حقوق الانسان وبعض المواضيع ذات
الطبيعة القانونية التي يدخل موضوعها ضمن التشريعات العادية (القوانين).
وبالتالي فاذا كانت هنالك رغبة جدية بتغيير
النظام السياسي القائم في العراق فيعني ذلك وضع دستور جديد يُحدد من خلاله النظام
السياسي الجديد، وبمعادلة بسيطة نقول: (نظام سياسي جديد= دستور جديد) و ليس تعديل الدستور!.
3-
الشعب عندما يثور
فان ذلك يعني فقدان الدستور لشرعيته، والثورة بمفهومها الاصطلاحي تعني تغيير
المفاهيم السياسية والاجتماعية والقانونية للمجتمع، أي تغير الفكرة القانونية
السائدة في المجتمع والتي تعد الاساس الملزم للدساتير واساس شرعيتها، فلماذا هذا
التمسك بدستور لاشرعية له؟!، ولم يعد يتفق مع الفكرة القانونية السائدة للمجتمع
العراقي، وتعديل الدستور يعني القبول بحلول (ترقيعية) تفرغ الحراك الشعبي من
محتواه، والاصرار على اضفاء الشرعية لدستور وُلد ميتا موتا سريريا .
4-
ان وضع دستور جديد
ينبغي ان يسبقه عادة استفتاء الشعب (إذا ما أُريد فعلا الاحتكام لإرادة الشعب وليس
ارادة الطبقة الحاكمة) ليقرر طبيعة النظام المطلوب وتحديد علاقة جديدة للسلطات
وكذلك المركز القانوني للمحافظات والعاصمة والاقليم، ومن بعد ذلك يتم انتخاب
هيئة تأسيسية لصياغة الدستور بناءا على ما استفتي عليه الشعب!.
5-
الحلول التي يقترحها
صاحب هذه السطور بتواضع الاتي:
أ-
استقالة حكومة
السيد عادل عبد المهدي وتشكيل حكومة وطنية لتسيير الاعمال، وفي حال عدم تشكيل
الحكومة يبقى رئيس الجمهورية محل رئيس الوزراء، بحكم الواقع وليس الدستور ويمارس
صلاحيات تنفيذية وتشريعية ان اقتضى الامر، كما حصل في عهد الدكتور اياد علاوي سنة
2005.
ب- احالة عبد المهدي والوزراء والقادة الامنيين وغيرهم
للقضاء لتبرئتهم أو ادانتهم (أو بعضهم بحسب التحقيقات) بالجرائم المرتكبة بحق
المتظاهرين، ولكن ليس امام القضاء العراقي!.
ج-
تشكيل محكمة #مُدولة (تضم قضاة عراقيين واجانب
معروفين بخبرتهم القانونية العالية كما حصل في عدد من الدول منها لبنان بعد اغتيال
الحريري) بتدخل من قبل الامم المتحدة سواء من قبل مجلس الامن او الامين العام للأمم
المتحدة بطلب عراقي للتحقيق في جرائم الفساد والقتل الممنهج للعراقيين بما في ذلك
الاعتداء الحاصل على المتظاهرين، ويفضل ان يحصل ذلك بالاستناد الى الفصل السابع من
ميثاق الامم المتحدة لتحظى قرارات المحكمة بقوة الزامية لكافة الدول بالتعاون
القضائي والتسليم وتنفيذ الاحكام والقرارات الصادرة عنها، ونحن نعلم ان كثير من
الاموال المسروقة قد أُستودعت خارج العراق.
د-
حل البرلمان
وتحديد موعد جديد لانتخاب جمعية وطنية أو مؤتمر وطني (أيا كانت التسمية) لصياغة
دستور جديد، تصاغ مواده بناءاً على ما أُستفتي عليه الشعب.
ه-
صياغة مشروعي
قانون للانتخابات والاحزاب من قبل الحكومة الوطنية المؤقتة أو رئاسة الجمهورية،
ويُعرض للاستفتاء عليها من قبل الشعب لأنها من القوانين الاساسية (ذات طبيعة
دستورية).
و-
الغاء الاوقاف الشيعية والسنية وغيرها وانضوائها
تحت وزارة الاوقاف والشؤون الدينية كما كان سابقا، لآنها اساس الانقسام المجتمعي.
وأخيرا نختم القول اذا ما أُريد
دولة عراقية عابرة للطوائف والقوميات وترسخ لوحدة الوطن والمواطن فلا يمكن ذلك إلا
بتبني دستور جديد برؤية سياسية جديدة، ونرمي خلف ظهورنا دستور كتبته ايادي عاشت
العقدة الطائفية والقومية وصوت عليه الشعب على عُجالة وعقله الباطن يدفعه الى
التصويت (بنعم) للتخلص من حكم الاحتلال وقد غُلب على امره بظروفٍ سياسية واجتماعية
بائسة، وانقسامات مجتمعية قاسية وخروج من نظام دكتاتوري متسلط، فكان ردة الفعل الى
الافراط بتشظي السلطة وتقسيم المقسم فيها حتى ضاعت الدولة والسلطة معا، وحلت محلها
الفوضى وغياب النظام، ولا حاجة لندلل على ذلك فالقاصي والداني على علمٍ بذلك!
Comments
Post a Comment
يرجى مشاركة ارائكم ومقترحاتكم