Skip to main content

السياسة العقابية في العراق وظواهر المجتمع الخطيرة


                                       
محاربة الطائرات النفاثة بسلاحٍ من العصا والحجارة
 (جريمة تعاطي المخدرات أنموذجا)
د. محمد عدنان علي الزبر(*)
من خلال استعراض النسب المهولة والخطيرة حول الظواهر الاجتماعية الخطيرة التي عصفت وتعصف بمجتمعنا العراقي والتي يعود كثيرا منها للإنفتاح غير المدروس على العالم الخارجي بفضل التقدم التكنولوجي وسيادة العولمة والتي سهلت سبل التلاقي ونقل حضارات المجتمعات الاخرى والتي لم يعهد كثيرا من مفاهيمها مجتمعنا العراقي ولم يستعد لمواجهتها أو تقبلها بما ينسجم وواقع المجتمع العراقي، فانعكس سلبا على استقراره وامنه عموما وتماسك نواته الصغيرة المتمثلة بالعائلة خصوصا، وارتفاع نسب لظواهر كانت بالأمس القريب دخيلة على مجتمعنا العراقي أو على أقل تقدير لم تكن بهذه النسب التي تشهدها محاكمنا على إختلاف اختصاصها، كالطلاق والانتحار والتسول والارهاب والفساد والاتجار بالمخدرات وغيرها، وما يلفت انتباهنا ان المعروف عن التشريعات الوضعية العقابية ومن ورائها السياسة التشريعية للمشرعين، كلما صدر تشريع للحد من ظاهرةٍ ما، فإن المرجو هو الحد من هذه الظاهرة فعلا أو تقليل نسبها على أقل تقدير، في حين ان الامر في العراق مختلف تماما للأسف الشديد، فنجد ان تشريع القوانين لا يجدي نفعا وانما العكس تماما فنشاهد ارتفاع نسبة الظاهرة بالتزامن مع تشريع هذا القانون أو ذاك أو بقاء الظاهرة على نسبتها دون انخفاض وبذلك يتبادر الى اذهاننا التساؤل التالي: في ظل هذه العولمة وما صاحبته من ظواهر اجتماعية لم يألفها المجتمع العراقي أو لم تكن كما هي الان، هل لازالت السياسة التشريعية في العراق واقليم كوردستان لاسيما العقابية كفيلة للحد ومكافحة هذه الظواهر أم ينبغي ان نعيد النظر بهذه السياسة لنواكب ما سارت عليه المجتمعات المقارنة في تبني عقوبات بديلة عن تلك العقوبات التقليدية تتفق مع كل ظاهرة اجتماعية خطيرة ينبغي مكافحتها او الحد منها، ومنها جريمة تعاطي المخدرات التي ارتفعت نسبتها بشكل مخيف حتى تعالت الاصوات الى تعديل القانون رقم 50 لسنة 2017 رغم ان الاخير لم يمضي على نفاذه سوى عامين والمطالبة بتشديد العقوبة وكأنما اذا ما تشددت العقوبة سنكون في مجتمع خالٍ من المخدرات وتعاطيها، ناسين او متناسين ان معظم التشريعات العراقية العقابية تتميز بشدة عقوباتها مقارنة بالتشريعات المقارنة وكثيرا ما تعتمد الاعدام او السجن لمدة طويلة جزاءً على جريمة تشكل ظاهرة خطيرة من ظواهر المجتمع كالإرهاب والمخدرات وعلى الرغم من ذلك لم يفلح المشرع في معالجة ظاهرة واحدة من ظواهر المجتمع العراقي حتى تفاقمت الظواهر الاجتماعية وصار المشرع ومن ورائه القضاء والسلطة التنفيذية قد اتخذ موقف العاجز وهو يُعالج تلك الظواهر بأدواته التقليدية، وان صح التشبيه فان حالنا كمن يواجه الاسلحة المتقدمة والمعقدة بالعصا أو السيف في احسن الاحوال التي اعتاد اجدادنا على اتخاذها سلاحا لهم في حروبهم البسيطة كبساطة أسلحتهم، ظنا منا ان تلك الادوات ستقينا من شر الاعتداءات التي تعقدت بتعقد الحياة وتطور العلم اسوة بأجدادنا وشتان ما بين العهدين!.
وفي هذا الصدد وطبقا لما تقدمنا به، ماهي الرؤى الجديدة التي تتفق مع ظواهرنا الاجتماعية العراقية عموما وكوردستان خصوصا، واذا كان القارئ الكريم يجد في طيات هذه الاسطر ما يوحي باعتماد العقوبات البديلة كرؤى تتفق مع الظواهر الاجتماعية الخطيرة ومنها تعاطي المخدرات فما هي تلك العقوبات البديلة وكيف يمكن اعتمادها في ظل قانون عقابي بُنيت أحكامه ومبادئه على العقوبات التقليدية المتمثلة بالإعدام أو السجن المؤبد أو السجن المؤقت او الحبس بشقيه الشديد والبسيط والغرامة ناهيك عن السجن مدى الحياة في بعض الجرائم([1])، وماهي الالية التي يعتمدها المشرع لتبني مثل هكذا عقوبات "أي البديلة" وما هو المعيار في تبنيها وهل ذلك يعني الاتيان بقانون عقابي جديد ليحل محل قانون رقم 111 لسنة 1969 المعدل، وإذا كان الامر كذلك ماهي المبادئ المستجدة التي يمكن اقتراحها لتنسجم مع هذه الظواهر الاجتماعية، واذا ما اردنا في الوقت الحالي تبني مثل هكذا عقوبات بديلة أو تدابير مع الاحتفاظ بقانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل، ماهي المقترحات التي يمكن تقديمها ليمكن بموجبها اعتماد مثل هكذا عقوبات وكيف لها أن تنسجم مع مبادئ وأحكام القانون المذكور، واذا ما افترضنا وهو أمر متوقع ان السلطة التشريعية في بغداد لم تعتمد مثل هكذا اصلاحات تشريعية في اعتماد نظام العقوبات البديلة ورغب اقليم كوردستان تبني هذا النظام، ما هو الاساس الدستوري لتشريع ذلك، وماهي السيناريوهات المتوقعة في تطبيق تلك العقوبات.


(*) دكتوراه في القانون الجنائي الدُولي:
Phone: 07830448004
[1] العقوبة الاخيرة أي "السجن مدى الحياة" هي عقوبة دخيلة على منظومتنا العقابية جاء بها الاحتلال الامريكي في ظل حكم الحاكم المدني بريمر.

Comments

Popular posts from this blog

القدم الوظيفي المترتب عن الشكر والتقدير

                                        هل يترتب على الشكر والتقدير الصادر عن السيد رئيس مجلس الوزراء قدم لستة اشهر؟!   م.د. محمد عدنان علي تدريسي ومدير قسم الشؤون الادارية والمالية في جامعة جابر بن حيان للعلوم الطبية والصيدلانية                       لمقتضيات الوقوف على سياق اداري وقانوني سليم وحماية للمراكز القانونية للموظفين في احتساب مدد القدم نتيجة الشكر والتقدير الممنوح من قبل السيد رئيس مجلس الوزراء والسيد وزير التعليم العالي والبحث العلمي والسيد رئيس الجامعة نسطر ملاحظاتنا القانونية التالية: أولا: جاء في كتاب امانة مجلس الوزراء ذي العدد ق/ 2/ 5/ 27 / 07647 في 11/ 3/ 2020 ، إجابة عن عدد من التساؤلات: (ان الشكر الموجه من قبل السيد رئيس الوزراء يرتب قدما لمدة ستة اشهر)، وهو رأي قانوني غير سليم لم يتوفر فيه سندا   قانونيا   سوى قرار مجلس قيادة المنحل رقم 155 لسنة 2000 والذي جاء نصه : ( يرتب الشكر والتقدير الموجه من رئيس الجمهورية الى أي منتسب في الدولة قدما لمدة ستة اشهر لأغراض الترقية والترفيع والعلاوة وتغيير العنوان الوظيفي ولمدة سنة واحدة للأغراض نفسها في حال تكراره .

تعريف القاعدة القانونية وخصائصها.. عناصرها.. مصادرها

    د. محمد عدنان علي القاعدة القانونية قاعدة سلوك اجتماعية تنظم العلاقة ما بين الأشخاص  ملزمة ومقترنة بجزاء تفرض على من يخالفها من قبل السلطة العامة. القاعدة القانونية   خصائص القاعدة القانونية عناصر القاعدة القانونية مصادر القاعدة القانونية     خصائص القاعدة القانونية   ·                     القاعدة القانونية قاعدة سلوك اجتماعية. ·                     القاعدة القانونية عامة مجردة. ·                     القاعدة القانونية تنظم العلاقة ما بين روابط المجتمع. ·                     القاعدة القانونية ملزمة ومقترنة بجزاء تفرض على من يخالفها.   عناصر القاعدة القانونية : ·                      الفرض. ·                      الحكم.             مصادر القاعدة القانونية ·                      المصادر الرسمية أو الشكلية للقانون العراقي. ‌أ-                     التشريع. ‌ب-                 العرف. ‌ج-                   مبادئ الشريعة الاسلامية. ‌

عدد من أسئلة مادة المدخل لدراسة القانون المعنية بموضوع التشريع

(التشريع كمصدر من مصادر القانون)   د. محمد عدنان علي الزبر ملاحظات: ·        هذه الاسئلة تتعلق فقط بموضوع التشريع كمصدر من مصادر القانون. ·        هذه الاسئلة الغاية منها تسهيل الدراسة على الطالب فحسب ولا يُشترط ان يكون نمط الاسئلة الفصلية بذات الطريقة. ·        ينبغي قراءة الاجابة على تلك الاسئلة بتركيز لان فيها احكام قانونية مهمة. س1: هنالك ما يُعرف بالمصدر التاريخي، المصدر المادي، المصدر التفسيري واخيرا المصدر الرسمي للقانون. وضح كل منهما وأيا منهما يرتبط بالمشرع عند صياغة النص القانوني وايهما يرتبط بالقاضي عند تطبيقه. س2: عدد من حيث الاولوية المصادر الرسمية للقانون المدني العراقي. س3: عدد من حيث الاولوية المصادر الرسمية لقانون الاحوال الشخصية العراقي. س4: عدد من حيث الأولوية المصادر الرسمية للقانون الدستوري. س5: ما هو المصدر الرسمي لقانون العقوبات. س6: هل يعد العرف أو الدين مصدر من مصادر قانون العقوبات، ناقش ذلك. س7: حدد المعنى الاصطلاحي للتشريع. س8: للتشريع معنى واسع واخر ضيق، ناقش ذلك. س9: ماهي خصائص التشريع. س10: ماهي مزايا التشريع.؟ س11: