ذاتية الجرائم
د. محمد عدنان علي*
لاشك في
ان استعراض ذاتية الجرائم المذكورة محل الدراسة سيجعلنا نتطلع على مفهوم كل واحد
منها فضلا عن تمييزها بالأخرى، الأمر الذي سنقوم به من خلال تحديد التقارب ما بين
تلك الجرائم، ومن ثم تحديد أوجه الاختلاف، وذلك تباعا:
أولا:
التقارب بين الجرائم الأخلاقية:
أ-
تقارب جريمتي الاغتصاب واللواط:
1-
من
حيث الحق المعتدى عليه: تتفق جريمتي الاغتصاب واللواط في أن الحق المعتدى عليه فيهما
واحد هو الحرية الجنسية للمجني عليه أو عليها، ناهيك عما ينشأ عنهما من اعتداء على
الحرية العامة و مساس بالشرف وحصانة الجسم وما يلحق من أضرار صحية نفسية أو عقلية بالمعتدى
عليه.
2-
من حيث الاشتراك بركن عدم الرضا: تشترك جريمة
الاغتصاب و جريمة اللواط في ركن عدم الرضا من جانب المجني عليها في الاغتصاب، والمجني
عليه أو عليها في اللواط.
3-
من حيث الركن المعنوي للجريمة: تتفق جريمتي
الاغتصاب واللواط في الركن المعنوي للجريمتين والذي يأخذ صورة القصد الجرمي، حيث تتطلب
الجريمتين توافر القصد الجرمي العام الذي يقوم على عنصري العلم والإرادة، ففي جريمة
الاغتصاب يجب أن يعلم الجاني بعدم مشروعية الاتصال الجنسي بينه وبين المجني عليها وعدم
رضاء المجني .
أما في جريمة
اللواط فينبغي أن تنصرف إرادة الجاني إلى القيام بفعل اللواط بذكر أو أنثى مع العلم
بعدم مشروعية هذا الفعل وعدم رضاء المجني ( عليه أو عليها بهِ).
4-
من
حيث العقوبة: تتفق جريمتي الاغتصاب واللواط في العقوبة، إذ عدهما المشرع العراقي من
الجنايات وفرض على مرتكبيها عقوبة السجن مدى الحياة أو السجن المؤبد أو المؤقت طبقًا
للمادة ( ٣٩٣ / ف ١) عقوبات وأمر سلطة الائتلاف المؤقتة رقم
٣١ ). وقد
شدد المشرع العقوبة إذا اقترن إرتكاب أي من الجريمتين بظرف مشدد)
من الظروف
الواردة في الفقرة الثانية من نفس المادة، إذ يجوز للمحكمة أن ترفع العقوبة إلى الإعدام
عملا بأحكام الفقرة الأولى من المادة (
١٣٦ ) من قانون العقوبات .
ب-
جريمتي الاغتصاب وهتك العرض:
1-
من حيث الحق المعتدى عليه : تتفق جريمتي الاغتصاب
وهتك العرض في أن الحق المعتدى عليه فيهما واحد، .( وهو الحرية الجنسية للمجني عليه
أو عليها )
2-
من حيث الاشتراك بركن انعدام الرضاء الصحيح:
تشترك جريمتا الاغتصاب وهتك العرض في ركن انعدام الرضاء الصحيح من جانب المجني عليها
أو المجني عليه، فلقيام هاتين الجريمتين لا بد أن يكون الجاني قد ارتكب فعله بدون رضا
المجني عليه أو عليها، كأن يكون قد أستخدم القوة أو التهديد أو الحيلة أو الغش والتدليس
أو أية وسيلة تعدم الرضاء.
3-
من
حيث الركن المعنوي للجريمة: تتفق جريمة الاغتصاب و جريمة هتك العرض في أنهما من الجرائم
العمدية، حيث تتطلب كلا الجريمتين توافر القصد الجرمي العام بعنصريه العلم والإرادة.
ففي جريمة هتك العرض ينبغي أن تنصرف إرادة الجاني
إلى خدش الحياء العرضي للمجني عليها أو عليه، ويجب أن يأتي الجاني فعله وهو عالم بأنه
يخل بالحياء العرضي للمجني عليه أو عليها، أي بمعنى أن يقوم الجاني بفعله وهو عالم
بأنه يتضمن جرحًا جسيمًا للشعور بالحياء سواء وقع على عورة أو على جزء من .( الجسم،
وأن يعلم بعدم مشروعية هذا الفعل، وبأن المجني عليه غير راضٍ بهِ).
ثانيا: أوجه الاختلاف ما بين الجرائم الاخلاقية:
أ-
تختلف جريمة الاغتصاب عن جريمتي اللواط وهتك
العرض بعدة نواحي يمكن أجمالها بالآتي:
1-
أوجه الخلاف بين جريمة الاغتصاب و جريمة اللواط:
*من حيث
التعريف: لم يضع قانون العقوبات العراقي، وغالبية قوانين البلدان العربية لجريمة
اللواط، في حين ذهب رأي في الفقه إلى تعريف اللواط بأنه (جماع في شرج شخص ذكرًا كان
أم أنثى) وذهب رأي آخر إلى تعريفه بأنه (جماع
في دبر شخص ذكرًا كان أم أنثى، ويتم اللواط بإيلاج القضيب كاملا أو جزء في دبر الشخص
الملوط بهِ، ولا يشترط الإنزال لتمام الفعل). أما الاغتصاب فسبق وأن أشرنا إلى تعريفه.
** من حيث
طبيعة الجريمة: تختلف جريمة الاغتصاب عن جريمة اللواط من حيث الطبيعة، إذ إن جريمة
الاغتصاب تقع من رجل على أنثى، ويعني ذلك أنه يجب أن يكون الجاني فيها رجلا، وأن تكون
المجني عليها أنثى. بينما يمكن أن تقع جريمة اللواط على الذكور والإناث، بمعنى إن هذه
الجريمة يمكن أن تقع من رجل على رجل، أو تقع من .( رجل على أنثى على حدٍ سواء وفيما
يتعلق بمدى تصور حدوث جريمتي الاغتصاب واللواط بين الزوجين:
- نشير إلى
أن الزوج الذي يواقع زوجته كرهًا عنها- أي بدون رضاها الصحيح- لا يرتكب اغتصابا لأنه
يمتلك جماعها شرعًا بحكم عقد الزواج ولو رفضت ذلك وقاومت ممتنعة عن تسليم نفسها غير
إن الزوج إذا أتى زوجته من الخلف، بإيلاج قضيبه في دبرها بدون رضاها، فإن في ذلك
خلاف وهو ما سنتطرق له في المطلب الثاني من خلال استعراض التطبيقات القضائية.
٢- أوجه الخلاف بين جريمة الاغتصاب وهتك العرض:
- من حيث التعريف:
لم يحدد قانون العقوبات العراقي، وغالبية قوانين البلدان العربية والقانون:
وقد كان للقضاء
دور في تعريف هتك العرض وتحديد مدلوله، إذ ذهبت محكمة النقض المصرية إلى تعريفه بأنه
(كل فعل يخل بالحياء يستطيل إلى جسم المجني عليه وعورته ويخدش عاطفة الحياء عنده من
هذه الناحية ولا يشترط لتوفره قانونًا ( أن يترك الفعل أثرًا بالمجني عليه كإحداث احتكاك
أو أيلاج يترك أثرًا) وبخصوص تعريف الاغتصاب فقد أشرنا سلفًا إليه.
- من حيث طبيعة
الجريمة: تختلف جريمة الاغتصاب عن جريمة هتك العرض في إن الأولى يجب أن تقع من ذكر
على أنثى، فهذه الجريمة يجب أن يكون الجاني فيها ذكرًا، وأن تكون
المجني عليها
أنثى. أما الثانية فالجاني أو المجني عليه فيها يمكن أن يكون ذكرًا أو أنثى، ويعني
ذلك إن هذه الجريمة يمكن أن تقع من ذكر على أنثى أو على ذكر، كما يتصور وقوعها من أنثى
على أنثى أو على ذكر، كما لو أكرهت أنثى ذكرًا على مواقعتها فكلمة (شخص) الواردة في نص المادتين ٣٩٦ و ٣٩٧ من
قانون العقوبات العراقي تدل على الذكر والأنثى على حدٍ سواء، ناهيك عن قول المشرع في
المادتين أعلاه (... عرض شخص ذكرًا أو أنثى...).
وفيما يتعلق
بمدى تصور أمكانية تحقق جريمتي الاغتصاب وهتك العرض بين الزوجين: نرى إن استعمال الزوج
للعنف المفضي إلى الجرح والإيذاء أثناء المعاشرة الزوجية يرتب مسؤوليته الجنائية وفق
أحكام المواد (412- 416).
عقوبات، غير
إن من يواقع زوجته دون رضاها الصحيح على مرأى
من الغير فأنه يكون مسؤولا عن جريمة هتك عرض، لأنه كشف عورتها واعتدى على حيائها العرضي
دون رضاها أمام الغير أما جريمة الاغتصاب فلا يتصور وقوعها بين .( الأزواج، لأن الزوج
يمتلك شرعًا جماع زوجته ولو بغير رضاها.
- من حيث الركن
المادي: تختلف جريمة الاغتصاب عن جريمة هتك العرض في إن الأولى لا تقع إ تصالا بالوقاع
المتحقق بالاتصال الجنسي الطبيعي التام بين رجل وامرأة، أما الثانية فتقع
بكل فعل من
الأفعال الماسة بالعرض ما دون الوقاع أو اللواط.
* Mohammed Adnan Ali is PHD of Public Law , IRAQ. his
thesis ‘Achieving of International Criminal Justice: A study of National
Judiciary’ (in Arabic) . His primary research public International law, International
criminal law, human rights and International humanitarian law.
محمد عدنان علي، دكتوراه في القانون العام، العراق. أطروحته "تحقيق
العدالة الجنائية الدولية: دراسة القضاء الوطني" (بالعربية). مجالات بحثه
الأساسية معنية بالقانون الدُولي العام، القانون الجنائي الدولي، حقوق الانسان والقانون
الدُولي الانساني.
Comments
Post a Comment
يرجى مشاركة ارائكم ومقترحاتكم