د. محمد عدنان علي الزبر
الدكتور
عصام العطية ومؤلفه القانون الدولي العام:
الاستاذ
الدكتور عصام العطية لم أكن أعرفه شخصيا عندما كنت طالبا في مرحلة البكالوريوس في
دراسة القانون عن كلية القانون جامعة بابل، ولكنني كنت وزملائي غرقى في بحر مؤلفه القانون
الدولي العام، الذي يكاد يكون جامعا لمفردات القانون الدولي على اختلاف فروعه
وتفرعاته، فكلما تُعيد قراءته فإنك ستكتشف جديده، ونظرا لغزارة المعلومات التي فيه
لازال هذا المؤلف هو المرجع الأساس للمختصين في دراسة القانون الدولي العام على
مستوى جامعات العراق وغيره من الجامعات العربية على مستوى الدراسات الأولية
والدراسات العليا للماجستير والدكتوراه، ولأنه كذلك فقد حظينا بدراسة هذا المؤلف
على اختلاف المراحل الدراسية الاولية منها والعليا، فترانا كلما نعيد قراءته نزداد
تشوقا له وتعلقا بمنهجيته في دراسة مفردات القانون الدولي العام وأسلوب طرحه لأبرز
اشكاليات هذا الفرع من القانون بدءا من مفهومه وأساسه القانوني الملزم، مرورا
بأشخاصه ومواضيعه القانونية، حتى تولدت قناعة ضمنية لدى الباحثين في دراسة القانون
الدولي العام، أن مفردات هذا القانون لا حاجة لدراستها في مؤلف جديد في ظل وجود
هذا المؤلف الخالد، إلا إذا جيء بمؤلف يساويه أو يقاربه سحرا وغزارة علمية.
عند اكمالي السنة التحضيرية لدراسة الماجستير في القانون العام سنة 2011-2012 عن كلية القانون
جامعة الكوفة، حظيت بشرف الإشراف على رسالة الماجستير من قبل أستاذ القانون الدولي
العام الدكتور عباس عبود عباس ولهذا الاستاذ حكاية لا يسعها هذا المقام للحديث عن
فضله وغزارة علمه والذي كان المعاون العلمي لمعهد العلمين عندما كان الدكتور عصام
العطية عميدا لهذا المعهد، ونتيجة مراجعتي لأستاذي المشرف الدكتور عباس عبود حظيت
بشرف اللقاء بذلك العلامة الدكتور عصام العطية.
الدكتور عصام العطية الإنسان:
طيلة
دراستي للقانون لاسيما بعد المرحلة الثالثة من الدراسة الأولية للقانون وأنا غارق
في عالم من التخيل عن شخصية ذلك الإنسان العملاق عصام العطية الذي لم التقي
به اطلاقا ولم ارى صورته الشخصية، لذلك تأخذني مخيلتي في بعض الأحيان لأرسم صور
مختلفة عن هذا الأستاذ تتكون ملامحها من ملامح مؤلفه القانون الدولي العام ومن
خلال صياغته القانونية تصوغ مخيلتي ملامحه، واذا بي احظى بشرف اللقاء به وانا
متوجها بمعية أستاذي المشرف لألقي التحية عليه، يا الله! من هذا؟! أهذا هو
الدكتور عصام العطية؟! وإذا به رجل ملئ الشيب ملامحه تماما، وأضافت عبيقا على
ملامحه ضحكته الدافئة، وصوته الذي لازلت أسمع صداه وانا اكتب هذه السطور، وأخلاقه
الرفيعة التي تعجز هذه الكلمات عن وصفها.
قدمني
أستاذي الدكتور عباس عبود له مع بعض الكلمات الناجمة عن رضى الأستاذ عن طالبه
وبادرني المرحوم الأستاذ عصام العطية ليسألني عن عنوان مشروعي للماجستير والذي كان
وقتها: "آثار النزاعات المسلحة على معاهدات حقوق الإنسان دراسة في أعمال
لجنة القانون الدولي" وتفرع عن ذلك نقاش علمي على قصره فإنه ملهم.
على الرغم
من انني لم التقي به إلا هذه المرة اليتيمة ولكنها لازالت لحظاتها منحوتة في
ذاكرتي لعظيم شأنها في قلبي ليس للعلم الذي يحمله والذي أنبت في فكرنا أساسيات
القانون الدولي فحسب، وإنما لإنسانيته ورحابة صدره ومواقفه التي يتناقلها من حظي
شرف الدراسة أو الإشراف العلمي من قبله.
شهادتي بهذا الأستاذ رحمه الله مجروحة، ومعرفتي به محدودة إذا ما قُرنت بغيري من زملائه وتلامذته، ولكنها على محدوديتها قد تركت في ذاكرتي ومشاعري الكثير الكثير، خسرنا عند وفاته أستاذا جليلا وانسانا عظيما وأبا ملهما، ولكنها سُنة الحياة على كل حال رحم الله الدكتور عصام العطية وأسكنه الله من فسيح جناته وألهمنا وألهم أهله و تلامذته وزملائه ومحبيه الصبر والسلوان فكلما تمر علينا ذكرى رحيله كلما تجدد في نفوسنا ألم خسارته.
Comments
Post a Comment
يرجى مشاركة ارائكم ومقترحاتكم