ماذا نقصد بالقانون؟
د. محمد عدنان علي
يمكن تعريف القانون انه:
مجموعة القواعد القانونية المجردة العامة التي تنظم
العلاقة ما بين الاشخاص ملزمة ومقترنة بجزاء تفرض على من يخالفها من قبل السلطة العامة.
واذا اردنا ان نتوسع قليلا مع بعض التفصيل يمكننا
ان نعرفه:
مجموعة القواعد القانونية المجردة (عند الصياغة)
العامة (عند التطبيق)، التي تنظم العلاقة ما بين الاشخاص (وهم كل من الافراد
"الشخص الطبيعي" والاشخاص المعنوية كالهيئات والشركات والمؤسسات وغيرها من
الشخصيات المعنوية)، ملزمة و (أو لأنها)مقترنة بجزاء تفرض على من يخالفها من قبل
السلطة العامة.
ومن هنا تُثار الاسئلة الاتية: لما كان التعريف لأي
مصطلح أو مجال معرفي يتطلب في التعريف أن يكون جامعا مانعا، لا زيادة تحرف محتواه
ولا نقيصة تبعد بعض مفرداته عنه، نتساءل، لماذا ذكرنا عبارة "القانونية"
بعد القواعد عند التعريف ألا يمكن ان نقول بأن القانون هو مجموعة القواعد ونكمل
التعريف دون ان نذكر "القانونية"؟!
الجواب هنا يا أعزاءي الطلبة بأننا ذكرنا عبارة
القانونية لان قواعد السلوك الاجتماعية المعنية بتنظيم سلوك الانسان لا تقتصر على
القانون، وانما تشترك معها الاخلاق والدين وغيرهما من القواعد المعنية بسلوك
الانسان التي ترغم أو تدفع الانسان الى ما يجب ان يكون عليه سلوكه طبقا لغايات
القاعدة الاجتماعية، ولذلك احتجنا عند تعريف القانون أن نقول بأن القانون هو
(مجموعة القواعد القانونية) تمييزا لها عن بقية قواعد السلوك الاجتماعية الأخرى
كالقواعد الأخلاقية والقواعد الدينية.
والسؤال الثاني هو: ما المقصود بالمجردة العامة، أو
المجردة (عند الصياغة) والعامة (عند التطبيق)؟
ان من خصائص القاعدة القانونية انها مجردة ونقصد
بالتجريد ان القاعدة القانونية عند صياغتها ووضعها من قبل المُشرع فإنه عند
الصياغة لا يذكر أشخاص محددين أو وقائع معينة وانما يذكر الصفات والشروط اذا ما
تحققت في شخص ما أو واقعة معينة ينطبق أثر هذه القاعدة القانونية على ذلك الشخص أو
الواقعة، وأذكر لكم مثالا يمكن من خلالها معرفة ماذا نعني بهذا الكلام؟
لو افترضنا ان احد الاباء (وليكن اسمه زيد) ضرب
ابنته (وليكن اسمها ليلى) ضربا مبرحا ادى الى تشوه جسدها، وكانت هذه الواقعة
"واقعة اعتداء زيد على ابنته ليلى " والتي يمكن وصفها أي الواقعة
بأنها "عنف أسري"[1]، قد تم تصوريرها بواسطة (كاميرة) الموبايل من احد افراد الاسرة وتم نشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي
فتناقلتها مختلف وسائل الاعلام المرئية (قنوات التلفاز) والسمعية (الراديو)
والمقروءة (الجرائد والصحف) فساهم جميع ذلك الى هياج الرأي العام وطالب على اثر
هذه الواقعة "واقعة ضرب زيد لابنته ليلى" بتشريع قانون يجوم
بمقتضاه العنف الأسري؟
هنا نتساءل لو استجاب المشرع الى مطلب الرأي العام
وقام بتشريع قانون يجرم فيه العنف الاسري أو بعض صوره، بتصورك عند قيام المشرع
العراقي مثلا (متمثلا بمجلس النواب العراقي) بتشريع هذا القانون "قانون العنف
الاسري"، فهل يذكر في صلب القانون صراحة واقعة ضرب زيد لابنته ليلى أم يصوغ
نصا قانونيا يجرم فيه الاعتداء بالضرب على الابناء دون أن يذكر بالتحديد اسم زيد
وليلى موضوع المثال الذي ذكرناه وواقعة الاعتداء التي ذكرناها بالتحديد؟
بمعنى اخر لو اردنا صياغة نص
قانوني فأيهما تختار برأيك:
أن نقول: (يعاقب
بالحبس من اعتدى بالضرب على ابنه أو ابنته أو من هم تحت رعايته).
أم نقول: (اذا
اعتدى زيد على ليلى فانه سيعاقب بالحبس؟).
لا أتصور انك ستختار الصياغة الثانية بلا ادنى شك
عزيزي الطالب أتعلم لماذا؟
لأنك اذا اخترت الصياغة الثانية فانك في هذه
الحالة ستجعل القاعدة القانونية تنطبق فقط على زيد اذا اعتدى على ليلى،
دون بقية الحالات المشابهة لهذه الواقعة، في حين ينبغي على المشرع ان يعتمد
الصياغة الاولى أو ما يشابهها حتى يمكن ان تنطبق على كل من يعتدي على ابنته/ أو
ابنه او من يرعاهم!
هذا هو ما نقصده بالتجريد، أي أن تكون القاعدة
القانونية مجردة.
أما العمومية فهي من نتائج التجريد ونقصد بالعمومية
انه لما كانت القاعدة القانونية قد تم صياغتها دون ذكر اشخاص محددين أو وقائع
محددة فإنها عند التطبيق لا تقتصر على شخص محدد أو واقعة محددة ينتفي اثرها
بالتطبيق مرة واحدة، وانما تنطبق على كل شخص توفرت فيه شروط ذكرتها القاعدة
القانونية أو انطباق صفة معينة، وتبقى القاعدة القانونية نافذة لتنطبق على جميع
الوقائع المشابهة التي تنطبق عليها القاعدة القانونية، وهذا ما نقصد به بالعمومية.
نعود الى التعريف الذي ذكرناه عن القاعدة
القانونية، ونقول ان القاعدة القانونية المجردة عند الصياغة العامة عند التطبيق هي
معنية بتنظيم العلاقة ما بين الأشخاص و نقصد بالأشخاص هم كل من الأفراد والذين
نصطلح عليها تسمية الأشخاص الطبيعيين، والأشخاص المعنوية كالدولة والمنظمات
والشركات وأي كيان آخر يضفي عليه القانون
الشخصية القانونية.
ان القاعدة القانونية لا تخاطب إلا الأشخاص ومن لم
يعد شخصا بموجب القانون فانه لا يعنى بمخاطبتها لا من حيث الحقوق ولا من حيث
الواجبات أو المُسائلة القانونية؟! كيف!
اذا كان الانسان اليوم (أي انسان) أيا كان مركزه
القانوني يُعد شخصا من أشخاص القانون الوطني (كشخص طبيعي) فإنه لم يكن دائما يتمتع
بهذا المركز القانوني في السابق، فالإنسان (الرقيق أو العبد) لم يكن شخصا قانونيا
في نظر بعض القوانين الوطنية اذ كان يُعامل معاملة الأشياء أو السلع تُباع وتشترى.
ذلك على مستوى القانون الوطني، أما على مستوى
القانون الدولي فإنه في وقت لم يكن بعيد لم يكن ينظر الى الانسان كشخصٍ من أشخاصه
وانما كان يُنظر الى هذا القانون بأنه معني بالدول فحسب وبذلك (بحسب هذا الرأي)
فإن الدولة هو الشخص القانوني الوحيد للقانون الدولي.
ان القاعدة القانونية بالإضافة الى كونها مجردة
وعامة وتنظم العلاقة ما بين الأشخاص، فإنها مُلزمة.
وهنا نتساءل لماذا القاعدة القانونية مُلزمة هل
لأنها مقترنة بجزاء تفرض على من يخالفها من قبل السلطة العامة؟
أو بسؤال آخر، هل الجزاء يدخل ضمن عناصر القاعدة
القانونية وفي حال عدم وجود جزاء لا يمكن القول ان هناك قاعدة قانونية ملزمة؟
للإجابة على هذا التساؤل يمكن القول أن هنالك رأيين
في هذا الاتجاه، الاول يرى بأن الزامية القاعدة القانونية لم يأتي نتيجة اقترانها
بالجزاء، فالقاعدة القانونية طبقا لهذا الرأي ملزمة وان لم يكن هنالك جزاء لان
القانون ضرورة اجتماعية لا يمكن لأي مجتمع ان يعيش بسلام دونها وان الفرد عندما
يلتزم بأحكام القانون لأنه يعي جيدا اهمية القاعدة القانونية وضرورتها في تنظيم
الحياة ولما كان الأمر كذلك فإن الجزاء في حال عدم توفره تبقى القاعدة القانونية
ملزمة.
أما الرأي الثاني، وهو السائد ونؤيده فإنه يرى بأن
الجزاء المادي عنصرا من عناصر القاعدة القانونية لأنه في حال غياب الجزاء لأصبحت
القاعدة القانونية مجرد دعوة أو نصيحة!. برأيك أي الرأيين أنت تؤيده؟
أخيراً نتحدث عن السلطة العامة المعنية بفرض
الجزاء، ما المقصود بالسلطة العامة؟
ان المقصود بالسلطة العامة المعنية بفرض الجزاء هي
المحاكم من حيث المبدأ فهي المعنية بتطبيق القانون وفرض الجزاء إذا ما ثُبت على من
خالف أحكام القاعدة القانونية، وبلا شك يختلف الجزاء باختلاف القاعدة القانونية
كالجزاء المدني عند مخالفة القاعدة المدنية والجزاء الجنائي عند مخالفة القاعدة الجنائية.
ويتطلب جميع ما تقدم المزيد من التفصيل سيكون موضوعا لدراستنا في مادة المدخل لدراسة القانون.
يُرجى مشاهدة المحاضرة على قناة اليوتيوب
[1] ينبغي الإشارة والتوضيح ان مفهوم العنف الأسري لا يقتصر على هذه الواقعة وإنما تعد هذه الواقعة صورة من صور العنف الأسري، ولكننا ذكرنا هذا المثال للتوضيح فقط دون الغور في مفهوم وصور جريمة العنف الأسري.
Comments
Post a Comment
يرجى مشاركة ارائكم ومقترحاتكم