ملاحظات عامة حول علاقة القانون
بقواعد السلوك الاجتماعية
د. محمد عدنان علي
أولا: لما كانت قواعد القانون والأخلاق والدين
قواعد سلوك اجتماعية فيترتب على ذلك النتائج التالية:
1-
جميع تلك
القواعد نسبية أي أنها غير مطلقة كثيرا من أحكامها أو أفكارها تتغير بتغير الزمان
والمكان وتتطور بتطور المجتمع الإنساني الذي تحكمه.
2-
أن جميع
قواعد السلوك الاجتماعية مجردة عند صياغة فرضها، وعامة عند تطبيق حكمها أو حلها
للواقعة أو تنظيمها للسلوك الإنساني.
3-
أن محل
المخاطبة من قبل قواعد السلوك هو الإنسان بالدرجة الأساس في قواعد الأخلاق والدين،
في حين يكون الإنسان محلا للمخاطبة كشخص طبيعي بالإضافة الى الشخص المعنوي.
4-
تشترك
قواعد السلوك جميعها في الغاية غير المباشرة ويختلفان في الغاية المباشرة ولكن
الغاية المباشرة لكل قاعدة من قواعد السلوك هي من تؤدي إلى الغاية غير المباشرة
ألا وهو السمو بالمجتمع الإنساني واسعاده.
أ-
الغاية
المباشر للدين هو العبادة والسمو بالإنسان نحو الكمال والاخيرة هي ذاتها غاية
الأخلاق، في حين الغاية المباشرة للقانون هي تنظيم العلاقة ما بين الانسان واخيه
الانسان والحيلولة دون حصول النزاع وفي حال حصوله فإن القانون يوفر آلية لفض هذا التنازع لتحقيق
الاستقرار في المجتمع وفرض النظام فيه.
ب-
أما
الغاية غير المباشرة لجميع قواعد سلوك الإنسان فتتمثل كما قلنا هو السمو بالسلوك
الإنساني واسعاده.
5-
جميع
قواعد السلوك تقويمية للسلوك الإنساني، ملزمة ومقترنة بجزاء، ولكن الجزاء يختلف
باختلاف قاعدة السلوك الإنساني والجهة المعنية بفرضه:
أ-
الجزاء
في الأخلاق معنوي يتمثل بالزجر من قبل المجتمع أو بتأنيب الضمير من قبل الفرد
نفسه.
ب-
الجزاء
في الدين الفردي جزاء معنوي في الحياة الدنيا يتمثل بشعور الإنسان بالإثم نحو
مخالفة أحكام الدين و أخروي .
ج-
الجزاء
في الدين الجماعي جزاء مزدوج دنيوي و أخروي، مع ملاحظة أن الجزاء الديني لا يمكن
تطبيقه في الحياة الدنيا وإن كان الدين ينص على ذلك صراحة ما لم يتبناه المشرع
الوضعي صراحة أو ضمنا ليكون جزءا من المنظومة القانونية.
ثالثا: المشرع الوضعي هو الفيصل في تحديد مكانة
قواعد السلوك الاجتماعية الأخرى في إطار المنظومة القانونية للدولة، وبالتالي هو
من يحدد الصلة ما بين قواعد القانون وقواعد السلوك الاجتماعية الأخرى قوة وضعفا.
رابعا: الصلة ما بين قواعد السلوك الاجتماعي وقواعد
القانون مهما كانت بينهما وثيقة (شريطة ألا تصل إلى درجة التماهي ) فإن التطابق
ما بين أحكامها غير وارد، سواء على مستوى صياغة النص القانوني، أو على مستوى
تطبيقه من قبل القضاء.
خامسا: إن دراسة مفهوم وخصائص القاعدة الدينية في
مادة المدخل لدراسة القانون هو دراستها بشكل مستقل عن القاعدة القانونية، أي دراسة
خصائصها ومفهومها بغض النظر ما إذا كانت قد اعتمدت مصدرا تاريخيا أو مصدرا رسميا
للقانون أو لم تعتمد.
لان اعتماد
القاعدة الدينية مصدرا تاريخيا للقانون أي اعتمادها عند صياغة النص القانوني، سيجعلها
تكون جزءا من التشريع القانوني وبالتالي تحمل ذات الخصائص للقاعدة القانونية من
جزاء مادي مفروض من قبل السلطة العامة، وكذلك عند اعتماد القاعدة الدينية من قبل
القاضي كمصدر رسمي تطبق على الواقعة المعروضة عليه فإن ذلك يجعل القاعدة الدينية
جزاء من القاعدة القانونية بمفهومها العام وبذلك تحمل ذات الخصائص للقاعدة القانونية
فيكون جزائها مادي يُفرض من قبل السلطة العامة.
ولذلك فإن الدين من حيث المبدأ جزائه اخروي ولكن
عندما يكون الدين جزءا من القانون من خلال اعتماده من قبل المشرع أو القاضي نكون أمام جزاء مادي دنيوي يُفرض من قبل السلطة العامة (المحاكم).
سادسا: ان دراسة مفهوم وخصائص القاعدة الاخلاقية
كذلك في مادة المدخل لدراسة القانون، فان دراستها يتم بشكل مستقل بغض النظر ما إذا كانت قد اعتمدت مصدرا تاريخيا للقانون أو لم تعتمد، لان اعتماد القاعدة الاخلاقية مصدرا تاريخيا للقانون
أي اعتمادها عند صياغة النص القانوني، سيجعلها تكون جزءا من التشريع القانوني وبالتالي
تحمل ذات الخصائص للقاعدة القانونية من جزاء مادي مفروض من قبل السلطة العامة.
أي أن اعتماد الأخلاق مصدرا عند صياغة النص
القانوني سيجعل أفكارها وقيمها جزءا من القانون وتحمل ذات الخصائص للقاعدة
القانونية، فيكون الجزاء حينها جزاء ماديا يُفرض من قبل السلطة العامة، لأن المخالف
هنا لا يكون قد خالف القاعدة الاخلاقية فحسب وانما يكون قد خالف القانون والجزاء
المفروض سيكون جزاء قانونيا وليس معنويا.
سادسا: رغم أن الأخلاق لا تدخل صراحة مصدرا رسميا
من مصادر القانون يستعين بها القاضي عند غياب التشريع أو غموضه ولكنها أي الأخلاق تلعب دورا مهما في تكوين العرف الناجم عن ممارسات المجتمع وشعوره إلزاميتها،
والعرف كما تعلمون أحبتي أو لعلمكم يعد مصدرا مهما من مصادر القانون بعد التشريع،
وتشكل قواعد العدالة وهي صورة من صور الأخلاق مصدرا من مصادر القانون يمكن للقاضي أن يستعين به.
سابعا: فيما يتعلق بقواعد العدالة فإن دراستها في
مادة المدخل لدراسة القانون، يكون بطريقين:
أ-
بعدها
صورة من صور قواعد الأخلاق وبالتالي تحمل ذات الخصائص التي تحملها قواعد الأخلاق من غموض وعدم استقرار وغيرها من الخصائص المعنية بقواعد الأخلاق، ويكون الجزاء
الناجم عن مخالفتها جزاء معنوي في حال عدم اعتمادها من قبل القاضي.
ب-
بعدها
مصدرا رسميا من مصادر القانون وبالتالي تحمل ذات الخصائص التي تحملها القاعدة
القانونية من جزاء مادي يُفرض من قبل السلطة العامة.
وهذا
هو المقصود عندما نقول ان مركز قواعد العدالة مركزا وسطا ما بين الأخلاق والقانون،
أي أنها عند اعتمادها من قبل القاضي تحمل ذات الخصائص للقاعدة القانونية، أما في
حال عدم اعتمادها فإنها تحمل خصائص القاعدة الأخلاقية.
Comments
Post a Comment
يرجى مشاركة ارائكم ومقترحاتكم