جريمة تفجير الكرادة[1]
د. محمد عدنان علي الزبر
ان الدراسة في المسؤولية
الجنائية لمرتكبي جريمة التفجير في الكرادة وتحديد الوصف القانوني للموضوع محل
البحث والدراسة تتطلب منا ومن اجل تحديد معالم تلك الواقعة كجريمة ان نتناولها
بالتعريف، كما ان تحديد المسؤولية الجنائية على تلك الواقعة تتطلب تمييز واقعة
الكرادة كجريمة مرتكبة عن الكثير من الجرائم المشابهة لها وبالتالي الوقوف على
الوصف القانوني الملائم لهذه الواقعة.
أولا: تعريف جريمة تفجير الكرادة: حي الكرادة هو الحي الاكثر مدنية بين احياء
العاصمة بغداد‘ لذلك يتوجه الى اسواقه العامرة الاف المواطنين يوميا من مختلف
انحاء العاصمة‘ وقد تعرض الى عشرات الهجمات الارهابية برغم التنوع الاثني والطائفي
الذي يتمتع فيه.
وفي تاريخ "28/ رمضان /1437 ه‘ اي في
3/ تموز / 2016" وعند الساعة الواحدة
من صباح يوم الاحد هز انفجار رهيب ناجم عن سيارة مفخخة قلب حي الكرادة في
بغداد وبقت اثار الانفجار حتى الساعة الواحدة من ظهر ذات اليوم.
ظلت اعمدة الدخان تتصاعد من الابنية
التجارية على جانبي الطريق وانفجار السيارة كان بدرجة عالية من الاحتراق، وكان من
ضمن القتلى من مات اختناقا او حرقا حتى الموت ولقد انتشر الحريق في البداية بسرعة
بين اثنين من مراكز التسوق والمحلات التجارية القريبة في المكان المذكور وبعدها امتد الحريق الى اكثر
من سبع مباني احرقت بمن فيه من اشخاص واثاث وسلع مختلفة ‘ اذ ادى الحريق بحياة جمع
كبير من المدنيين ومن بينهم نساء واطفال وتم حرق اكثر من "150" جثة
لدرجة صعب التعرف على ذويها.
لجأت حينها العديد من الاسر الى جهات طبية
لأجل اخذ عينات الحامض النووي للضحايا للمطالبة بجثث ذويهم وكانت التحقيقات
الاولية التي قامت بها الحكومة العراقية غامضة وغير منتجة ‘ في حين اكدت دائرة صحة
بغداد الرصافة بان اكثر من 200 شخص سقطوا بين قتيل وجريح بتفجير السيارة وفيما
اشارت الى ان هناك 50 جثة متفحمة لم يتم التعرف على هويات اصحابها.
نسبت تقارير لخبراء دوليين حول مواد
التفجير قولهم بان التفجير نتج عن سيارة محملة بغازات حارقة مكونة من مادة
"الناب الم" الجزء الرئيسي من مكوناتها وهذا ما يفسر لنا شدة الحرائق
الناتجة عن الانفجار كذلك كون الانفجار لم يخلف دمارا للبنايات، سوى ان الحريق
التهمها، وان هذه المواد يصعب الحصول عليها سوى جهات حكومية.
وعلى الرغم من ذلك تبنى تنظيم داعش ذلك
التفجير المذكور، مؤكدا ان التفجير نفذه انتحاري، كشف عن هويته، وقال في بيان
نشرته مواقع الكترونية تابعة له، ان من قام بالتفجير هو "ابو مها العراقي
المنتمي للتنظيم من خلال تفجير سيارته المفخخة في منطقة الكرادة وسط بغداد
لاستهداف "الرافضة المشركين" على حد تعبيرهم قاصدين بذلك المسلمين من
الشيعة رغم ان ضحية التفجير لا يقتصرون على طائفة معينة دون سواها بل ذهب ضحية ذلك
التفجير مختلف الطوائف والاديان الممثلين للنسيج العراقي.
ثانيا: ذاتية
تفجير الكرادة: أثارت التساؤلات عن التكييف القانوني لجريمة
تفجير الكرادة وبالتالي تطابق النص القانوني على الواقعة موضوع الدراسة.
فمن خلال العودة الى التكييف القانوني الدولي الجنائي
واستعراض الجرائم الدولية نجد ان الجرائم الدولية المنصوص عليها في النظام الاساسي
للمحكمة الجنائية الدولية تتمثل بأربعة جرائم
فحسب والمتمثلة بجريمة العدوان وجريمة الحرب وجرائم ضد الإنسانية وجريمة
الإبادة الجماعية هذا على المستوى الدولي.
أما على المستوى الوطني ولكون هذه الواقعة قد أدت الى
تحقيق النتيجة المتمثلة بالموت نتيجة التفجير فأن التساؤل الذي يثار على نطاق النص
القانوني على هذه الواقعة ما اذا كانت المادة 406/ 1/ ب من قانون العقوبات العراقي
رقم 111 لسنة 1969 المعدل هي المادة المنطبقة على الواقعة ام المادة 4/ من قانون
مكافحة الارهاب هي الاقرب للواقعة من سابقتها.
1-
التكييف القانوني
الدولي لواقعة تفجير الكرادة: عند الحديث عن التكييف القانوني الدولي
الجنائي لواقعة تفجير الكرادة وفي أطار استعراض الجرائم الأربعة الدولية
"جريمة العدوان , جريمة الحرب , الجرائم ضد الإنسانية , جريمة الإبادة الجماعية"،
فما يُثار من تساءل بشئان ما اذا كانت جريمة تفجير الكرادة جريمة عدوان فان
جريمة العدوان لا تتحقق كجريمة الا بالنسبة للدول وبذلك يُثار السؤال ما اذا كانت
داعش دولة فعلا؟، والاجابة على ذلك تتطلب منا اولا ان نحدد ماذا تعني لنا الدولة،
وعند الرجوع الى المعنى الاصطلاحي للدولة والتي يعود مدلولها للتعبير عن المجتمع
السياسي المستقر التي عبرت عنه اللغة اللاتينية بمصطلح (status)
والذي انتقل فيما بعد الى اللغات الأخرى
لاسيما الأوربية بألفاظ مشتقه من ذات المصدر كالإنكليزية (state),
والفرنسية (etat), والإسبانية (estatos),
والإيطالية (stato), والتي تعني حالة او طريقة العيش وهي لصيقة لمعنى الثبات
والاستقرار.
وعند استعراض معظم التعاريف المعنية بمفهوم الدولة نجدها
تؤكد على ما سبق ذكره بأنها: (مجموعه من الأفراد تستقر على اقليم معين تحت تنظيم
خاص ,يعطي لجماعه معينه فيه سلطه عليها تتمتع بالأمر والإكراه).
وأنها: (مجوعة
من الأفراد يقيمون بصفه دائمه في اقليم معين , تسيطر عليهم هيئه منظمه استقر الناس
على تسميتها الحكومة)، وانها: (مجموعة من الأفراد يقيمون بصفه دائمه في اقليم معين
وتسيطر عليهم هيئه حاكمه ذات سياده).
وأنها :"جماعه كبيره من الناس تقطن على وجه الاستقرار
بصفه معينه من الكره الأرضية وتخضع لحكومة منظمه تتولى المحافظة على كيان تلك الجماعة
وتدير شؤونها ومصالحها العامة).
فجميع ما ذكر من التعاريف وغيرها والتي لا يتسع المقام لإدراجها
تعطي مؤشر أن الاستقرار والثبات والتنظيم عناصر لا يمكن تجاهلها عند الحديث عن الدولة
لمفهوم وكيان قانوني ولعل ذلك وغيرها من العناصر ما يميز الدولة عن العديد من
المفاهيم التي لا يرتقى مدلولها الى مدلول الدولة, كالقبائل وأن قطنت على رقعه جغرافية
واضحة المعالم, وكذلك الجماعات المسلحة التي تتخذ من اقليم دولة أو اكثر حصنا ومرتعا
لأفرادها لتدير من خلالها نزاعاتها المسلحة, وبذلك لا يمكن تصور التنظيم الإرهابي
داعش قد أنطبق عليه وصف دولة وأن أحتل افراده حيزا من الأرض (من اقليم العراق
وسوريا) وحكموا من فيها تحت سطوة السلاح والتهديد، ناهيك عن افتقار التنظيم الى الاعتراف
الدولي به كدولة والذي وأن تجاهله البعض، (اي الاعتراف الدولي وأثره في نشأة الدولة)
وأستبعده من أن يرتقي الى درجة الركن للدولة, إلا أنه يبقى كحد أدنى شرطا مهما وفعالا لاسيما عند الحديث عن أضفاء الشخصية
القانونية الدولية عليها ومن ثم انطباق القاعدة القانونية الدولية عليها ومخاطبتها([2]).
فمن خلال ما تقدم وتأسيسا عليه فأن التنظيم الإرهابي
داعش ما هو إلا عبارة عن تنظيم لجماعات مسلحة يتبعون الفكر السلفي الجهادي وينتشر
افراده في العراق وسوريا, وبذلك فان القاعدة القانونية أيا كان مصدرها (دولية ام
وطنية) عندما تتجه لمخاطبة هذا التنظيم فأنها تخاطب الأفراد المنتمين له كلا على
حدة (كأفراد) بغض النظر عما يدعون به او
يهدفون الى تحقيقه، تجدر الاشارة في هذا الصدد ان البحث في المركز القانوني لتنظيم
داعش ولأفراده لا يثير أي صعوبة في اطار القانون الوطني الذي ترتكب الجرائم في
نطاق اقليمه فمبدأ إقليمية قانون العقوبات الوطني سيد الموقف في ذلك اذ يسري على
كل من يرتكب الجريمة في اطار اقليمه دون البحث والعناء على جنسية مرتكبها او البحث
عن الولاية القضائية, في حين يُثار النقاش عند البحث عن المركز القانوني الدولي
لذلك التنظيم ولأفراده ومدى خضوعهم للقانون المذكور ونطاق المسؤولية الدولية في
مواجهتهم في ظل خلاف وتحجيم لمركز الفرد
في أطار القانون الدولي وتمسك الدول بسيادتها وتسعى جاهده لحماية من يحمل جنسيتها والحيلولة
دون خضوعه لغير قانونها([3])،
وبالتالي ومن خلال ما تقدم يتضح لنا ان جريمة العدوان كجريمة دولية مستبعدة من
موضوع دراستنا لأنها لا تنطبق الا على الدول و داعش ليست دولة كما ان للعدوان
اركانها الخاصة وهي بذلك بعيدة كل البعد من موضوع دراستنا ونحن نتكلم عن جريمة
تفجير الكرادة.
أما بالنسبة لجريمة الحرب ما اذا كانت جريمة
تفجير الكرادة من الممكن اعتبارها على أنها جريمة حرب، فأن جريمة الحرب لا تُثار إلا
في الأماكن الخاضعة للنزاع المسلح وتفتقر للسيطرة التامة من قبل احدى اطراف النزاع
المسلح، وينتهك احد اطراف النزاع احكام قوانين الحرب والقانون الدولي الانساني،
ومعيار تحديد السيطرة التامة على المكان من عدمه هو معيار "السيطرة
الفعالة"، وهو المعيار الذي يمكن استخدامه لتحديد مجموعة القوانين التي
ينبغي تطبيقها في حالة بعينها فكلما زادت فعالية السيطرة على الأشخاص او الإقليم,
كلما صار قانون حقوق الأنسان يشكل أكثر فاكثر الإطار المرجعي المناسب، لا قوانين
الحرب والقانون الدولي الانساني([4]).
ولكون أن الجريمة ارتكبت في مكان وأن كان جزءا من دولة
طرف في نزاع مسلح والمتمثل بالنزاع المسلح مع جماعات داعش الا ان بغداد لم تكون
طرفا من هذا النزاع ، أي لم يقع في ارضها ذلك النزاع وبالتالي لا ينطبق عليها
القانون الدولي الإنساني ذلك أن القانون الدولي الإنساني لا يطبق الا بالمناطق الخاضعة
للنزاع المسلح كما اشرنا، وبالتالي يستبعد من تناول جريمة الحرب في اطار بحثنا
وابعادها من واقعة تفجير الكرادة.
أما بالنسبة للجريمتين ضد الإنسانية وجريمة الإبادة الجماعية فأن المعيار الذي
يميز ما بينهما هو الدافع لارتكاب الجريمة ما اذا كانت الجريمة متجهة ضد الإنسانية
بشكل عام أما ضد طائفة معينة او قومية معينة بدافع ابادتها وعند الرجوع الى
تصريحات تنظيم داعش بعيد التفجير فقد صرحوا بان هذه الجريمة قد ارتكبت بدافع ابادة
"الرافضة المشركين" فأن هذا ومن خلال ما تقدم نجد أن التكييف القانوني
الأقرب الى جريمة تفجير الكرادة على المستوى الدولي هي جريمة الإبادة الجماعية.
2-
التكييف القانوني
الوطني لواقعة تفجير الكرادة: أما على المستوى الوطني من خلال الرجوع الى
القرارات القضائية العراقية نجد ان
التكييف القانوني لها هي باعتبارها جريمة ارهابية، مستبعدين بذلك تطبيق
احاكم المادة (406/1 / ب) من قانون العقوبات العراقي المعدل، والتطبيق العراقي
يوضح جليا من خلال تعامله مع هذه الوقائع على وصف قانوني واحد متمثلا بقانون
مكافحة الارهاب يعكس القصور التشريع الواضع والذي ندعوه بمناسبة هذه الواقعة
الاليمة ان يلتفت الى هذه القصور ويشرع الجرائم الدُولية ليتفق الوصف القانون
الدولي مع الوصف القانوني الوطني.
[1]
دراسة أُعدت من الباحث في سنة 2016 وأُلقيت على طلبة القانون_ كلية
دجلة الجامعة كمحاضرة ضمن مادة قانون العقوبات القسم الخاص للسنة الدراسية
2016-2017، وقُدمت كمشروع بحث لعدد من الطالبات للتوسع فيه واعداد بحث تخرج معني
بهذه الدراسة.
[2] يُنظر: د. محمد
عدنان علي الزبر: "داعش دولة أم جماعة مسلحة"، مقال منشور على الرابط
التالي:
Comments
Post a Comment
يرجى مشاركة ارائكم ومقترحاتكم