المركز القانوني للعاملين في دوائر الدولة العراقية
د. محمد عدنان
علي الزبر
عرفت المادة الثامنة من قانون الخدمة المدنية رقم 103 لسنة 1931
الموظف بأنه: (كل شخص عهدت اليه وظيفة في الحكومة لقاء راتب يتقاضاه من الميزانية
العامة أو من ميزانية خاصة وتابع لأحكام قانون التقاعد) انظر.
أما قانون الخدمة المدنية رقم 64 لسنة 1939 فقد عرفت المادة الثانية منه الموظف بأنه: (كل شخص عهدت اليه وظيفة دائمة داخلة في ملاك الدولة الخاص بالموظفين) انظر.
واستقر قانون الخدمة المدنية رقم 24 لسنة 1960 المعدل النافذ على هذا
المفهوم انظر.
أما في قانون انضباط
موظفي الدولة والقطاع العام رقم 14 لسنة 1991 المعدل، فإنه لم يشترط أن تكون
الوظيفة التي تعهد إلى الموظف ذات صفة دائمة، تلك الصفة التي اشترطتها قوانين
الخدمة المدنية المتعاقبة منذ عام 1939 وحتى الآن.
فقد عرفت (المادة الأولى/ثالثا) منه الموظف بأنه: (كل شخص عهدت اليه
وظيفة داخلة في ملاك الوزارة او الجهة غير المرتبطة بوزارة) انظر.
ان سبب الاهتمام
المتزايد في إيجاد معيار للتمييز بين الموظف العام عمن سواه كان يكمن في وجود ثلاث فئات
من العاملين في مرافق الدولة: فئة الموظفين و فئة المستخدمين
و فئة العمال، وأن كل فئة من هذه الفئات كانت تخضع لنظام قانوني
معين إلا أن المشرع وبعد أن ألغى فئة المستخدمين بموجب قراري مجلس قيادة الثورة
المنحل المرقمين 518 لسنة 1973 و911 لسنة 1976 ثم تحويله العمال إلى موظفين بموجب
قرار المجلس رقم 150 لسنة 1987، إذ جعل جميع العاملين في دوائر الدولة والقطاع العام
في مركز واحد من حيث النظام القانوني وبذلك يكون المشرع قد حسم مسألتين كانتا مدار
جدل قانوني مفاده ان الموظف هو كل من يعمل في دوائر الدولة أو القطاع العام
بصفة دائمة مع ما ترتبه هذه الصفة من حقوق وواجبات من جانب، ومن جانب اخر ان
العاملين في القطاع العام هم من الموظفين بصريح النص التشريعي الأمر الذي لا يدع
مجالا للجدل في أمر من يعد منهم موظفا ومن لا يعد كذلك.
إلا أن الجدل القانوني لم ينتهي بعد بل تأكد ذلك الخلاف وازداد لاسيما
بعد عام 2003 في ظل اعتماد نظام الاجور اليومية والعقود، وكان الخلاف يرتبط بصفة
الديمومة المتعلقة بالعمل الوظيفي، ففيما يرى جانب من الرأي القانوني وهو
الرأي السائد فقها وقضاءً، في ضوء ما تقدم ان الموظف هو (الشخص الذي يعمل بصفة
دائمة في مرافق الدولة والقطاع العام) وهو تعريف ينسجم مع التعريف الوارد في قانون
الخدمة المدنية وعدد من التشريعات الأخرى التي سبقت الاشارة اليها وبذلك فإنه
يستبعد انطباق صفة الموظف على من يعين في المرفق بصفة عارضة أو مؤقتة.
في حين أن قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام لم يشترط هذه
الديمومة في تعريف الموظف العام الأمر الذي يمكن معه سريان وصف الموظف العام على
الموظفين المؤقتين خصوصا وأن قانون انضباط موظفي الدولة هو قانون لاحق لقانون
الخدمة المدنية والتشريعات الأخرى التي تحول فيها المستخدمون والعمال إلى موظفين.
هذا من جهة ومن جهة اخرى
فان الفقرة (سابعا) من قرار مجلس قيادة الثورة المنحل رقم (603) لسنة 1987 قضت بأن
تطبق على الموظفين المؤقتين في التعيين وفي الحقوق والواجبات في غير ما ورد في
القرار قوانين وقواعد الخدمة والتقاعد وقرارات مجلس قيادة الثورة التي تطبق على
الموظفين في الدوائر التي يعملون فيها، كما ان مجلس الانضباط العام (سابقا)، قضى
في قراره المرقم 691/88 في 2/11/1988 بأن الموظف المؤقت يملك نفس المركز القانوني
والعلاقة التنظيمية مع إدارات الدولة عدا الاستغناء عن خدماته بعد انتهاء المدة.
ولكن ما يلفت الانتباه ان المشرع العراقي وبالتحديد عند صدور قانون
العمل العراقي الجديد رقم 37 لسنة 2015 قد شمل العاملين في دوائر الدولة بصفة عقد
ضمن أحكامه، وهو ما نصت عليه الاسباب الموجبة لتشريع أحكام هذا القانون من خلال
قولها: (إن من أسباب تشريع أحكام هذا القانون هو: لإيجاد غطاء قانوني للعاملين
بعقود في دوائر الدولة والقطاع العام وجعل خدمتهم مضمونة لأغراض منحهم الحقوق
التقاعدية) انظر.
مما نجم عن ذلك صعوبة وتشظي في الأحكام القانونية والجهة القضائية
المختصة نظرا ان الجهة المعنية بفض المنازعات في قانون العمل هي محكمة العمل وليس
محكمة الموظفين، فنكون بذلك قد رجعنا الى نقطة البداية.
أما في المجال الجنائي
فنجد ان نطاق قانون العقوبات يتسع أكثر بحيث يشمل مصطلح المكلف بخدمة عامة الموظف
والمستخدم والعامل حيث عرف قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل
المكلف بخدمة عامة بأنه (كل موظف او مستخدم او عامل انيطت به مهمة عامة في خدمة
الحكومة ودوائرها الرسمية وشبه الرسمية والمصالح التابعة لها او الموضوعة تحت
رقابتها ويشمل ذلك رئيس الوزراء ونوابه والوزراء واعضاء المجالس النيابية والادارية
والبلدية كما يشمل المحكمين والخبراء ووكلاء الدائنين… وعلى العموم كل من يقوم
بخدمة عامة بأجر او بغير اجر) انظر.
الخلاصة
يتضح من خلال ما تقدم ، ان حقوق وامتيازات العاملين في دوائر الدولة تختلف باختلاف مراكزهم القانونية، بين من تحكمه قوانين الخدمة وبين من يحكمه قانون العمل وأعني بالأخير العاملين بصفة عقد، ولكن عند المسؤولية القانونية فإن قانون انضباط موظفي الدولة المعدل يسري على الجميع بدون استثناء لعدم اشتراطه الديمومة في صفة الموظف، أما القانون الجنائي فإن مصطلح المكلف بخدمة عامة قد صُيغ تعريفه بطريقة تشمل مختلف الفئات ولا تقتصر على العاملين في دوائر الدولة وإنما حتى العاملين في القطاع الخاص إذا كان من شأنه تقديم خدمة عامة كالتعليم والصحة وغيرها انظر مقالنا حول القطاع الخاص.
Comments
Post a Comment
يرجى مشاركة ارائكم ومقترحاتكم